قصة التأويل

02:46 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

يبدو من الممتع أن نلاحق المصطلحات والمفاهيم والأفكار، من أجل فهمها، في بداياتها وتشكلاتها الأولى وما كانت تحمله من معانٍ ودلالات، فالمصطلح يتطور وربما يفارق معناه الأول؛ أي يأخذ معنىً جديداً، ولعل من أهم هذه المصطلحات التي صارت متداولة على كل لسان، مفهومَ أو فكرة التأويل، وربما هو يحمل كل تلك المعاني باعتباره شائكاً ومراوغاً وفضفاضاً في دلالاته، بل يرى البعض أن التأويل هو فلسفة قائمة بذاتها، أو اتجاه فلسفي برز فيه عدد من الفلاسفة حملوا على عاتقهم تأويل كل شيء قابل للمنطق وليس فقط النصوص الأدبية والسردية والفلسفية.
وقد لجأ البعض، من أجل تبسيط المفهوم، إلى القول إن التأويل يعني التفسير، ولكنهم اصطدموا بنقاد وأكاديميين اعترضوا على ذلك الأمر باعتباره تبسيطاً مخلاً، ودفعوا بأن كل تأويل يكون تفسيراً، ولكن ليس كل تفسير تأويلاً، ولكن ما رأيكم وحتى نقارب المعاني والدلالات الخاصة بالمفهوم، أن نسير في دروب رحلة إلى أعماق التاريخ حيث بدايات تشكل المصطلح؟ لنطلع على دلالاته الحالية المعاصرة، خاصة أنه أصبح لا غنىً عن التعامل مع هذا المفهوم المهم.
مع الأساطير اليونانية نشأت كلمة «تأويل» لتعطي دلالات محددة، وقد أخذت كلمة «هرمنيوطيقا»؛ أي التأويل، من اسم «هرمس»، وهو شخصية أسطورية يونانية ذات قدرات خارقة، كان يقوم بمهمة تفسير الكلام الغامض الذي لا يفهمه البشر العاديون، والنبوءات، وكل ما هو غريب وسر من أسرار الطبيعة، فكان يعمل على «فهم» الظاهرة، ثم يقوم ب«تفسيرها»، فكان أن تم توظيف المصطلح في العصور الوسطى في المدارس اللاهوتية ليعني الفهم والتفسير، وشكلت له مجموعة من النظم والقواعد المعرفية التي تضبطه في سياقات استخدامه، واستمر على ذلك النحو حتى القرن التاسع عشر.
وتطور المفهوم مع فلاسفة كبار، خاصة مع «شليرماخر»، وبصورة أكبر مع «هايدجر»، الذي قارب ما بين التأويل والأنطولوجيا؛ أي أن تقوم عملية الفهم والتفسير على أساس الزمان، الماضي والحاضر والمستقبل؛ أي متابعة الظاهرة المراد فهمها في بداياتها وتشكلها، لكن النقلة الكبرى للمفهوم كانت مع «جادامر»؛ حيث صار التأويل، مجالاً له رؤيته وتقاليده وضوابطه، ويمكن القول إنه قد صار على يد «جادامر» بنية متكاملة باتت تعرف بفلسفة التأويل، و لها منظرون من فلاسفة كثر عارضوا «جادامر»، مثل «هابرماس»، وغيره من الذين قدموا أطروحات جديدة حول التأويل.
ومع التطور الكبير في مفهوم التأويل، صار اليوم يشمل كل شيء، وأسلوباً في فهم الحياة وفي المعرفة، ولعل ما جعل له هذه المكانة الكبيرة أنه يتعامل بقلق وشك كبير أمام المسلمات، فلا حقيقة ثابتة أمام التأويل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"