سوق الصكوك الواعدة

02:09 صباحا
قراءة 4 دقائق

يقدر بعض المحللين المعنيين بأسواق الائتمان العالمية ان سوق التمويل الإسلامي مرشحة لتضاعف حجمها بحلول عام 2015 . ومع مشكلات الائتمان في العالم، حيث ما زال السوق يعاني انكماشاً لم ينفرج كثيراً منذ الأزمة المالية العالمية 2008-،2009 يبدو منطقياً اتجاه المقترضين من الشركات والحكومات إلى مشتقات التمويل الإسلامية كالصكوك (سندات دين مطابقة للشريعة) والإيجارة وغيرها، إلا أن هناك عاملاً مهماً لا يمكن إغفاله أيضاً وهو التطورات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وصعود الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في عدة دول . فمن شأن ذلك أن يوسع من سوق التمويل الإسلامي، وتحديداً في إصدار سندات الدين السيادية المطابقة للشريعة (صكوك سيادية) التي تستخدمها الحكومات لتمويل ميزانياتها العامة .

في تقرير لها بعنوان #187;الصكوك تتجاوز السندات التقليدية في الدول الخليجية مع تراجع العائد#171; توقعت مؤسسة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني إن يواصل المقترضون من الشركات والإدارات الحكومية صاحبة مشروعات البنية التحتية الاعتماد على الصكوك بشكل أكبر من سندات الدين التقليدية في الأشهر المقبلة . وتوقعت ستاندرد آند بورز أن ينمو سوق التمويل الإسلامي في العالم، المقدر حاليا بنحو تريليون دولار، بنسبة 20 في العامين المقبلين .

وحسب الإصدارات التي تراقبها ستاندرد آند بورز فقد وصل حجم إصدار الصكوك في دول مجلس التعاون الخليجي الست هذا العام إلى مستوى غير مسبوق بالفعل حتى قبل أن ينتهي العام تماماً . ومن بين العوامل الأساسية التي يرصدها التقرير لزيادة إصدار الصكوك مقابل السندات التقليدية هو تحسن الحسابات المالية للاقتصادات الخليجية نتيجة استمرار أسعار النفط الجيدة وأيضاً إعادة الهيكلة الناجحة للقروض ما أدى إلى فائض سيولة جعل العائد على سندات الدين عامة يتراجع . وفي مثل تلك الحالات يقبل المستثمرون المفتوحة شهيتهم للاقتراض على الصكوك ربما أكثر من السندات التقليدية . واستخدم البعض سوق التمويل الإسلامي لإعادة تمويل ديون مستحقة في الأشهر القليلة الماضية نتيجة تراجع العائد على الصكوك عالمياً وفي دول الخليج كذلك .

وتتوقع ستاندرد آند بورز أنه مع استمرار قوة أسعار النفط سيصل متوسط معدل نمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي هذا العام إلى 5 في المئة . ويعني ذلك استمرار الانفاق العام على مشروعات البنية التحتية والتوسع في المشروعات عموماً، مع الاتجاه أكثر في التمويل إلى سوق التمويل الإسلامي على حساب القروض التقليدية . ومع أنه لا توجد صكوك سيادية إلا في قطر ودبي ورأس الخيمة والبحرين، إلا أن سوق السندات السيادية المطابقة للشريعة مرشح للنمو وربما حتى خارج دول مجلس التعاون الخليجي .

تراجع العائد على الصكوك عالمياً مؤخراً بأكثر من نقطة مئوية ليصل إلى أقل من 3 في المئة، وفي منطقة الخليج تراجع العائد على الصكوك الإسلامية بأكثر قليلاً من نقطة مئوية أيضاً ليصل العائد إلى ما يزيد قليلاً عن 3 في المئة . ويغري تراجع العائد بالطبع المقترضين للجوء إلى سوق الصكوك ما جعل حجم التمويل الإسلامي عبر الصكوك في دول الخليج يتضاعف حتى الآن هذا العام ليزيد على 18 مليار دولار .

بالطبع لا يخلو سوق الصكوك، وسوق التمويل الإسلامي عامة من تحديات تكررها المؤسسات الدولية المعنية بالائتمان العالمي، إلا أن نمو السوق لا شك سيدفع باتجاه تطويره وأن يدرك القائمون عليه ضرورة توسيع قاعدة الممولين وعدم الاقتصار على البنوك الإسلامية وكذلك إعادة النظر في الكثير من القواعد واللوائح المنظمة للصكوك وغيرها من مشتقات التمويل الإسلامية للحد من تعقيداتها مقارنة بسوق الائتمان التقليدي .

وفي حال لجوء الحكومات في مصر وتونس، وربما المغرب والأردن إلى حد ما، إلى الاقتراض الحكومي من سوق التمويل الإسلامي (بإصدار صكوك سيادية) قد يتضاعف سوق التمويل الإسلامي في المنطقة اربع مرات في 2012 ليتجاوز ضعف حجمه الحالي هذا العام عند ما يقرب من عشرين مليار دولار . وهنا سنشهد مقابلاً لسوق الصكوك في ماليزيا والدول الآسيوية الإسلامية الأخرى التي تصدر سندات دين مطابقة للشريعة الإسلامية بكثافة، كما أن هناك قطاعات مهمة بها إمكانية كبيرة للتوسع في التمويل بالصكوك كالقطاع العقاري مثلا وغيره من القطاعات التي تعتمد فقط على القروض والسندات التقليدية حتى الآن .

وهنا التحدي الأكبر أمام قطاع التمويل الإسلامي الذي يحتاج إلى تكيف سريع مع هذا النمو والتوسع وخاصة فيما يتعلق بلوائحه المنظمة، كما أن التوسع قد يتطلب ابتكار مشتقات تمويل واستثمار جديد، مع أخذ العبرة من فقاعة القطاع المالي العالمي الناجمة عن مشتقات الائتمان حتى لا يحمل القطاع الإسلامي أمراض القطاع المالي العالمي التي فتكت به قبل أربع سنوات . هناك بعض ادوات التمويل الإسلامية التي لم تلق نجاحاً كبيراً نظراً للتعقيد الشديد لها مقارنة بنظيراتها في سوق التمويل والائتمان التقليدي . وربما يحتاج الأمر من القائمين على سوق التمويل الإسلامي سرعة العمل على تلافي تلك المثالب والاستعداد لتوسع القطاع ليشمل نشاطات جديدة ونمواً هائلاً في أخرى دخلها بالفعل .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"