كيف تتغير مصادر النمو؟

04:40 صباحا
قراءة 3 دقائق

هنالك مصادر نمو تختلف بين دولة وأخرى تبعاً للثقافة والتاريخ والاختصاص . عانت اليونان كثيراً من الأزمة المالية العالمية، وكادت تسقط لولا تدخل الأوروبيين، وخاصة ألمانيا، كما المجتمع الدولي عبر صندوق النقد للإنقاذ . اقترضت اليونان وتقشفت وقامت بالكثير من الإصلاحات، منها بعض التخفيضات الضرائبية على الاستهلاك . تتحسن اليوم الأوضاع الاقتصادية بفضل السياحة، حيث زار اليونان خلال ال12 شهراً الأخيرة نحو 18 مليون شخص . الفنادق والمطاعم والمعالم الآثارية والثقافية اليونانية تمتلئ بالسياح من أوروبا وخارجها، وها هي اليونان تعبر جسر الخلاص بهدوء بعد أشهر طويلة من العذاب . أحسن الأوروبيون في إنقاذ نقدهم المشترك وإبقاء وحدتهم النقدية حية بعد سنوات من التحديات الخطرة .

مصادر النمو العالمية تختلف من ظرف لآخر . في القرن الماضي، كان الغرب هو مصدر النمو وبالتالي تطور الاقتصاد العالمي بفضله . حصلت أزمات كبرى في الاقتصادات الغربية بدءاً من كارثة 1929 إلى الركود الكبير في سنة 2008 . ضعفت الاقتصادات الغربية وقويت الناشئة التي وقع عليها ثقل قيادة النمو العالمي . تغير الثقل الاقتصادي العالمي من الغرب إلى الشرق، وهذا جيد حتى للغرب نفسه، إذ أسهم الاقتصاد الناشئ في إنقاذ الدول الصناعية من ركودها الكبير ومشكلاتها الاقتصادية . أصبحت الاقتصادات الناشئة محرك النمو الدولي ليس فقط بفضل سياساتها الداخلية، وإنما بفضل تعلمها واستفادتها من الأخطاء التي ارتكبتها الدول الصناعية على مدى عقود من الزمن .

في كتاب جديد للاقتصاديين هيوبارد وكاين عن الإمبراطوريات الاقتصادية وزوالها، يقولان إن سبب انهيار القوى العظمى ليس الجغرافيا والثقافة والتاريخ والأديان، وإنما السياسات الخاطئة التي اعتمدتها . كان بإمكان الدول الاقتصادية العظمى تجنب السقوط والانحدار لو طبقت سياسات أخرى في ظروف مختلفة . لم تسقط روما بسبب الحروب، بل بفضل السياسات الاقتصادية الخاطئة التي اعتمدتها وفي مقدمها التأميم والفساد والإدارة البيروقراطية الجامدة . تخفيض الإنفاق العسكري لا ينتج بالضرورة نمواً قوياً، تماماً كما حصل في أمريكا، حيث انخفض هذا الإنفاق من 10% من الناتج في الخمسينات إلى نحو 4% اليوم . سقطت الإمبراطورية الإسبانية بسبب مصادرتها للأرض وعدم احترامها لحقوق الملكية كما بسبب سياساتها التحفيزية أو التوجيهية في الاستثمارات وأسواق العمل . يمكن في رأي الكاتبين تطبيق نفس المنطق على الإمبراطوريات العثمانية والصينية واليابانية والبريطانية، وحتى الأمريكية التي تضعف تدريجياً .

الدول الناشئة الأساسية التي اعتمد عليها الاقتصاد العالمي في العقود الأخيرة كمصادر للنمو هي الصين والهند والبرازيل وروسيا أو مجموعة البريك . تضاعف مجموع ناتجها الإجمالي 4 مرات بين سنتي 2001 و2011 أي من 3 آلاف مليار دولار إلى 12 ألف مليار دولار . مجموع سكانها هو 3 مليارات . يقول الاقتصادي ماديسون إن نفوذ الصين الاقتصادي ليس جديداً، إذ سيطرت على العالم بين القرنين العاشر والخامس عشر، كما سيطرت الهند اقتصادياً في فترات مختلفة . ما الذي جعل مجموعة البريك تنجح؟ هنالك عاملان كبيران هما عدد السكان كما الإنتاجية . فالدول التي ينحدر عدد سكانها كألمانيا ستعاني كثيراً، إذ مصدر الإنتاج يبقى الإنسان . العدد مهم إذ يسهل النمو ويعزز الاستهلاك . لا يمكن لدول ينخفض عدد سكانها وتتغير الهيكلية السكانية فيها أن تبقى قوية . كما أن الإنتاجية مهمة جداً وترتبط بعوامل عدة منها التكنولوجيا المتوافرة كما البنية التحتية والاستقرار الاجتماعي والتعليمي والصحي والغذائي . تتمتع مجموعة البريك بالعاملين أي العدد السكاني الكافي كما التكنولوجيا المتطورة المستوردة والمنتجة محلياً بفضل جامعاتها ومؤسسات البحوث والتطوير .

استفادت مجموعة البريك من عقود من التجارب الغربية في السياسات الاقتصادية . تعلمت أن التضخم هو شر ويجب مكافحته وتحاول جاهدة القضاء عليه . تعلمت ضرورة ضبط الإنفاق العام، وبالتالي معالجة الخلل المالي إن حصل . تضررت البرازيل كثيراً من التضخم منذ السبعينات وعانته ونجحت في القضاء عليه، إلا أن الخطر ما زال موجوداً . يحصل التضخم اليوم في الصين بسبب تدفق الاستثمارات اليها في العقود الماضية، وها هي تدفع اليوم ثمن نموها القوي على مدى 3 عقود من الزمن . بسبب التضخم الصيني، تنتقل الاستثمارات منها إلى إفريقيا وفي مقدمها إثيوبيا التي تحتوي على عمالة جيدة وأقل تكلفة بكثير من الصينية . العالم يتغير مجدداً بين مجموعات الدول الناشئة أن من البريك إلى قوى أخرى إفريقية وآسيوية وغيرها . ليست هنالك ثوابت في الاقتصاد الدولي الحالي .

حصلت تغيرات سياسية وإدارية كبرى في كل من الصين وروسيا في العقود الثلاثة الماضية . بينما انتقلت روسيا كلياً إلى النظام الرأسمالي الغربي، تبقى الصين شيوعية في السياسة ورأسمالية في الاقتصاد . يتحول الشعب الصيني تدريجياً من مدخر بامتياز إلى مستهلك .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"