"مدينتي" وبالونة العقار في مصر

02:01 صباحا
قراءة 4 دقائق

أثار حكم الإدارية العليا بإلغاء عقد بيع أرض مدينتي من هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، التابعة لوزارة الإسكان، لمجموعة طلعت مصطفى للتطوير العقاري، معضلة كبرى في مصر، ليس فقط في ما يخص القطاع العقاري، والاستثمارات فيه وإنما بما يطال السياسة الاقتصادية للحكومة في السنوات الأخيرة . وتتركز التعليقات والتحليلات الآن على مسالة الفساد في تخصيص ثمانية آلاف فدان (33 مليون متر مربع) من أراضي الدولة لرجل أعمال مقرب من السلطة ونافذ سياسياً، وما يمكن أن يحدث لمشروعات عقارية كبرى أخرى لرجال أعمال من هذه النوعية .

أما المتابعات السيارة فتركز على تأثير الحكم، ومحاولات الحكومة الالتفاف على تنفيذه، على أسهم شركات العقار في البورصة ومخاوف المستثمرين خاصة الأجانب منهم من مشاكل السوق المصري .

وكل تلك التحليلات والتعليقات صالحة تماماً، لكن المشكلة المتعلقة بقطاع العقار في مصر في العقد الأخير أعمق من ذلك، وترتبط بالسياسة الاقتصادية للحكومة الحالية منذ توليها مهامها عام 2004 .

فقد نشط الفريق الاقتصادي في حكومة أحمد نظيف، يتقدمه وزير الاستثمار ووزير المالية، في محاولة ضبط أرقام الاقتصاد الكلي عبر تعزيز الاستثمار الخارجي المباشر وتنشيط قطاعات خدمية إلى جانب برنامج الخصخصة الطموح الذي سمي إدارة أصول الدولة . ومن بين أصول الدولة الأكثر إغراءً للمستثمرين محليين وخارجيين كانت الأراضي فتوسعت الحكومة في تخصيصها لمشروعات عقارية .

وعمد الفريق الاقتصادي في الحكومة إلى افتعال فورة غليان في قطاع الأراضي والعقارات جعلت القيمة السوقية مغالى فيها بأضعاف أضعاف القيمة الحقيقية . وساهم ذلك في هدفهم بضبط الدفاتر وتعزيز النمو ليبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط نسبة 6 في المئة في سنوات حكمها، إلا أن عملية الغليان تلك في القطاع العقاري شابتها الكثير من العيوب، التي غطى عليها النشاط الهائل واستحسان المؤسسات الدولية للتطور الاقتصادي في مصر . ولما جاء الركود الاقتصادي العالمي وتراجع الاستثمار الخارجي بدأت تلك العيوب في الظهور بقوة .

من هنا كانت قضية أرض مدينتي، وقبلها قضايا الأراضي التي خصصت للزراعة على جانبي طريق مصر إسكندرية الصحراوي، واستغلها رجال الأعمال في مشروعات سكنية وما يمكن أن يظهر من قضايا قانونية تضع الحكومة في مأزق . وإذا كانت الحكومة قادرة على حل مشكلة مشروع مدينتي الذي تصل ميزانيته إلى 60 مليار جنيه (11 مليار دولار)، فمن غير الواضح كيف ستواجه مشاكل بقية المشروعات في الوقت الذي تسعى فيه الآن للتوسع في تخصيص أراضي أكثر لمشروعات جديدة .

والقلق الأساسي لدى الحكومة ليس اللغط السياسي واتهامات الفساد، ولا التأثير الآني في البورصة والسوق، وإنما خطر خسارة كل ما أنجزته على صعيد وضع الاقتصاد الكلي، وبالتالي محو كل التقدم الذي حدث في السنوات الست الأخيرة . فقطاع العقار هو أحد أهم جوانب قطاع الخدمات الذي يشكل نحو نصف النمو في الناتج المحلي الإجمالي . فحسب أحدث الأرقام الرسمية يمثل قطاع الخدمات نحو 49 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (لا تتجاوز السياحة منه 15 في المئة)، مقابل نحو 17 في المئة للصناعة و13 في المئة للزراعة . وتراهن الحكومة على ذلك القطاع ليستمر معدل النمو الذي يسهم في تقليل نسب البطالة التي تدور حول عشرة في المئة وضبط التضخم الذي يتجاوز عشرة في المئة .

وعلى مدى السنوات الأخيرة حقق قطاع العقار نمواً بنسبة 22 في المئة سنوياً في المتوسط . وحسب تقديرات دليل العقارات الدولي، ارتفعت أسعار العقارات في مصر بنسبة 5 في المئة في النصف الأول من العام الجاري، في الوقت الذي كان نمو الاقتصاد في العام المالي الأخير عند 7 .4 في المئة .

ويتوقع عدد من المراقبين لسوق العقارات في مصر أن ينمو حجم القطاع العقاري خلال 2010 بنسبة 14 في المئة على أن ترتفع أسعار العقارات في المتوسط للعام بنسبة 10 في المئة، وتلك نسب وأرقام تتحدى كل ما يجري في العالم ومن الصعب اعتبارها توجهاً مستقراً يمكن الحفاظ عليه .

وتشكل الاستثمارات الخارجية القدر الأكبر من نسبة 10 في المئة من العقارات المنظمة التي تتم ضمن مشروعات تخضع للوائح والقوانين . ولعل دول الخليج من أهم المستثمرين في قطاع العقار المصري، وعدة أمثلة بسيطة توضح ذلك: مشروعات شركة إعمار الإماراتية من أبتاون كايرو بكلفة 12 مليار جنيه (2 .2 مليار دولار) إلى مشروع قطامية هايتس والقاهرة الجديدة في التجمع الخامس بميزانية 6 مليارات جنيه (1 .1 مليار دولار)، وكذلك مشروع مراسي في الساحل الشمالي لإعمار أيضاً بكلفة 92 .9 مليار جنيه (74 .1 مليار دولار)، إضافة إلى مشروع داماك الإمارتية في خليج جمصة بميزانية 16 مليار جنيه (9 .2 مليار دولار) في الغردقة، ومشروع بورت غالب لشركة الخرافي الكويتية، إضافة إلى مشروعات كويتية وقطرية أخرى .

ومن الطبيعي أن تشعر تلك الاستثمارات بالانزعاج، لا سيما مع ترك أحد أنشط فريق الحكومة الاقتصادي وزير الاستثمار منصبه منتقلاً إلى البنك الدولي، وحالة الجدل السياسي التي تستبق انتخابات تشريعية ورئاسية في مصر . إلا أن الانزعاج الأكبر هو من نصيب الحكومة التي افتعلت فقاعة عقارية أفادتها مرحلياً ومن غير الواضح كيف يمكن التخلص منها دون أن تذهب معها كل إنجازاتها الاقتصادية .

* خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"