مشكلات صفقة "فيمبلكوم" - "ويذر"

03:58 صباحا
قراءة 4 دقائق

بدأت مشكلات الصفقة العملاقة في قطاع الاتصالات بين فيمبلكوم الروسية وويذر الإيطالية المملوكة للملياردير المصري نجيب ساويرس في الظهور تباعًا منذ اليوم التالي لإعلانها . ورغم أن الصفقة صورت في الإعلام الاقتصادي العربي بإيجابية شديدة، إلا أن مشاكلها معروفة في الأسواق من قبل، خاصة ما يتعلق بديون ويذر وأوراسكوم وتراجع استثمارات ساويرس في الاتصالات عامة لأسباب بعضها يتعلق بالعوامل الاقتصادية في الأسواق التي يستثمر فيها وبعضها يعود لمنهجه في الاستثمار الذي مكنه من الصعود السريع وتحقيق أرقام هائلة في فترة قصيرة .

أحدث تلك المشاكل أن ساويرس يخسر الآن سيطرته على الذراع اليوناني لويند (شركة الهاتف المحمول الإيطالية التي تملكها مجموعته ويذر) . إذ قبلت ويند هيلاس عرضاً قدمه دائنون لشركة الاتصالات اليونانية باعتباره الأفضل لشراء الشركة . وسيسيطر حملة السندات على ويند هيلاس في صفقة مقايضة ديون بأسهم في ضربة لساويرس الذي كان قد احتفظ بالسيطرة على الشركة وأخرجها من صفقة البيع لفيمبلكوم . لكنه فشل في الحصول على تأييد الدائنين مع استمرار تضرر الشركة نتيجة الاضطرابات في الاقتصاد اليوناني . وأضاف ذلك لمديونية الشركة البالغة أكثر من 2 .1 مليار يورو (67 .1 مليار دولار)، وأصبحت في حاجة ملحة لضخ نحو نصف مليار يورو أخرى فيها لضبط أوضاعها .

وتواجه صفقة فيمبلكوم ذاتها تعقيدات بسبب الغموض بشأن شركة جيزي، الوحدة الجزائرية لأوراسكوم . ولم تفلح وساطة الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف الشخصية خلال لقائه مع نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر مطلع الشهر في حل المشكلة .

وهناك خلاف مستعر بين أوراسكوم والحكومة الجزائرية منذ أكثر من عامين (وربما يرد هذا على تبسيط الأمر وإرجاعه إلى اضطرابات شابت علاقات القاهرة والجزائر بسبب مباراة كرة قدم، بل ربما نفخ في الخلاف الكروي استناداً إلى جذر الخلاف بين أوراسكوم والحكومة الجزائرية) . صحيح أن الحكومة الجزائرية ليست متحمسة تماماً للإصلاح الاقتصادي الذي بدأته، هي ولا تستسيغ الاستثمارات الأجنبية عموماً، لكن المشكلة مع أوراسكوم تفاقمت مع تداخل السياسة بالأعمال بشدة . وأعربت أوراسكوم مطلع العام عن رغبتها في بيع جيزي، وأبدت ام تي ان الجنوب إفريقية رغبتها . لكن الحكومة الجزائرية لجأت إلى حق الشفعة وأوضحت أنها لن تقر صفقة بيع جيزي لام تي إن لو اتفقت معها أوراسكوم .

وحين باع ساويرس مجموعته ويذر (التي تملك أكثر من نصف أسهم أوراسكوم مالكة جيزي) أبقى على جناح ويند في اليونان إلى جانب موبينيل في مصر وشركة أوراسكوم في كوريا الشمالية .

وكانت فيمبلكوم، التي تملك ثلث الشركة الجديدة الناجمة عن الاندماج، تتطلع إلى مكاسب من جيزي، خاصة أن شركة ويذر في ايطاليا (ويند) تعاني من مشاكل جمة . وتعد جيزي أفضل استثمارات أوراسكوم على الإطلاق وأكثرها ربحية، وتعني خسارتها حرمان صفقة الاندماج الكبرى من ميزة أساسية إذ كان يتوقع أن تشكل عائدات جيزي نحو 10 في المئة من توزيعات أرباح فيمبلكوم إذا تمكنت من اقتناصها من الجزائريين . لكن الفرصة تتباعد يوماً بعد يوم، حتى إن بعض المراقبين أرجع اختصار الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف زيارته للجزائرة من ثلاثة أيام إلى يوم واحد بعد معارضة الجزائريين القاطعة للتفريط في جيزي .

والواضح أن الجزائر مصممة على الاستحواذ على جيزي بحكم قانون الشفعة في حال أي قرار ببيعها .

وكانت صفقة استحواذ فيمبلكوم على ويذر حظيت باهتمام بالغ، وبدا وكأن عملاقاً جديدا سيبرز في مجال الاتصالات العالمي . إذ ستملك الشركة الجديدة قاعدة مشتركين بحوالي 174 مليون موزعين في 20 بلداً في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا الشمالية، وسيصل إجمالي العائدات إلى 5 .21 مليار دولار . واعتبر ذلك أمراً جيداً للمجموعة الروسية ومجموعة تيلينور النرويجية التي تملك نصيباً من الشركة الجديدة يوازي نصيب الشركة الروسية (نحو الثلث) . ومع أن أنباء الاندماج شكلت جواً إيجابياً بزيادة رأس المال عبر رفع قيمة الأسهم في السوق، إلا أن هذا تطوراً آنياً يتلاشى بسرعة لتجد المجموعة الجديدة نفسها أمام حزمة من الديون الكبيرة . فشركة ويذر كانت محل قلق وتخوف في سوق الاتصالات في الأشهر الماضية بسبب النسبة العالية لديونها من بين معدل استهلاك رأسمال وتأكل الأصول . ويبلغ صافي دين أوراسكوم تليكوم 2 .4 مليار دولار، بما يجعل نسبة الدين إلى الاستهلاك والتآكل عند ضعفين ونصف، بينما النسبة في ويند البالغ صافي ديونها 2 .11 مليار دولار تصل إلى 1 .4 ضعف . في المقابل لا يزيد المعدل بالنسبة لديون فيمبلكوم، البالغة 4 مليارات دولار عن 8 .0 ضعف . لكن مع الاندماج وتحمل المجموعة الجديدة كامل ديون الشركات المندمجة يصبح إجمالي الدين 4 .19 مليار ليرتفع مضاعف الدين مقابل استهلاك رأس المال وتآكل الأصول إلى 2 ضعف .

كما أن أوراسكوم، التي نمت بسرعة فائقة، عبارة عن تجمع متباين من مشغلي شبكات من دون موقع قوي في أي سوق لها، وتراجع نشاطها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أمام منافسة قوية من شركات اتصالات قوية من منطقة الخليج في السنوات الأخيرة .

ليس معنى ذلك أن الملياردير المصري لم يحقق مكاسب كبيرة من الصفقة، بل على العكس تخلص من ديون كبيرة على شركاته ستتحملها المجموعة الجديدة وحصل على عائد مربح مع ارتفاع الأسهم نتيجة اتفاق الاندماج . لكن تعزيز الأعمال بالاندماج هذه المرة يجعل أوراسكوم، وحتى ويذر، مساهماً أصغر في عملاق كبير . ولعل هذا يعكس توجها جديداً لساويرس له خلفيات تتجاوز الأعمال وتتقاطع مع السياسة سواء في سوق الملياردير المحلي أو في المنطقة .

فقد اعتمد الملياردير المصري على تداخل النفوذ والفساد إلى حد ما في صفقاته التي كونت امبراطوريته للاتصالات . ويلاحظ أن استثماراته في باكستان وكوريا الشمالية وإفريقيا كانت كلها في اقتصادات لا تتميز بشفافية عالية . لكن تلك الأمور تتغير بسرعة، وتجعل الأعمال في وضع هش وعرضة للضرر الشديد .

* خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"