هل تستغني أوروبا عن طاقة روسيا؟ ... د . أيمن علي

03:41 صباحا
قراءة 4 دقائق

تبدو الأزمة بين روسيا والغرب، والتي تفجرت بالصراع العسكري في جورجيا، أعمق من مجرد نزاع سياسي استراتيجي تلعب فيه الهواجس الأمنية الدور الرئيسي . وذكرت بعض التعليقات على استحياء في البداية أن الصراع في القوقاز أساسه اقتصادي وتلعب فيه الطاقة الدور الرئيسي، بدا من تطورات الأزمة أن مصادر الطاقة بالفعل عامل حاسم في الأزمة بين روسيا والغرب عامة وفي منطقة القوقاز خاصة . وربما هذا ما جعل أوروبا في قمة الاتحاد الأوروبي لا تصعد بشدة تجاه روسيا أو تفرض عقوبات عليها كما نادى بعض المغالين، ذلك أن مسألة اعتماد أوروبا المتزايد على مصادر الطاقة الروسية لا يمكن إغفالها ويصعب تجاوزها .

وهذا ما دعا مفوض الطاقة الأوروبي اندريس بيبالغس الى التصريح قبل أيام بضرورة الاهتمام بتقليل الاعتماد على الطاقة من روسيا، وحاول إعادة إحياء مشروع خط أنابيب نابوكو الذي دخل حالة فشل حتى قبل الصراع في جورجيا لأسباب مالية واقتصادية أساساً . وأكد مفوض الطاقة أنه يرى ضرورة بناء الخط قائلاً إن هدف تنويع مصادر الطاقة وطرق وصولها الى أوروبا أكثر اهمية الآن . وأيده في رأيه نابو تاناكا المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية مشيراً الى أن خط نابوكو يسهم في تعزيز أمن الطاقة الأوروبي وتقليل الاعتماد على إمدادات الطاقة من روسيا .

ومشروع خط أنابيب نابوكو، الذي قدرت كلفته بنحو 12 مليار دولار والممتد بطول 3300 كيلومتر من أذربيجان الى أوروبا عن طريق جورجيا وتركيا، مطروح منذ مدة كوسيلة أخرى لنقل الطاقة من حوض بحر قزوين الى أوروبا بعيداً عن روسيا . لكن تعدد الأطراف فيه وتقديرات الشركات الغربية الكبرى للكلفة الآخذة في التصاعد أدت الى شبه تجميد للمشروع . وكان الهدف النهائي للخط، الذي تشارك فيه دول المنطقة الست والمجموعة الأوروبية، هو أيضاً توصيل نفط وغاز الشرق الأوسط الى أوروبا عبر العراق .

إلا أن عملاق الطاقة الروسي، شركة غازبروم، عرضت شراء الغاز الأذربيجاني بالأسعار العالمية، وتركز الشركة على خطين للأنابيب الى أوروبا هما خط الشمال وخط الجنوب . ونجحت غازبروم في أن تقسم الاتحاد الأوروبي عبر اتفاقاتها الثنائية لإمدادات الطاقة مع دول مثل ألمانيا وإيطاليا والنمسا، وباقناع بعض دول الاتحاد بالدخول في مشروعات خطوط أنابيبها، حتى على الرغم من أن بعض تلك الدول مشاركة في مشروع خط نابوكو .

ويعود الاهتمام الغربي بتأمين ممرات للطاقة بعيداً عن روسيا الى مطلع الثمانينات، وكان ذلك محل اهتمام أمريكي كبير إذ قرر الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان بعد عام 1982 فرض حظر على صادرات معدات استكشاف واستخراج ونقل الغاز الى روسيا . وكانت واشنطن تسعى للحد من زيادة اعتماد أوروبا على الغاز الروسي بحيث لا يتجاوز ربع استهلاكها، إلا أن تلك النسبة تم تجاوزها . وفي العام 1997 قام حلف شمال الأطلسي، بقيادة أمريكية ومباركة أوروبية، بتكوين تحالف من دول الاتحاد السوفييتي السابق سمي غوام (GUAM)، ويضم جورجيا وأوكرانيا وأذربيجان ومولدوفا ويتلقى دعماً عسكرياً غربياً، لكن الهدف الأساسي منه هو تأمين ممرات للطاقة من حوض بحر قزوين الى أوروبا بعيداً عن روسيا، وعلى هامش التحالف هناك دول مثل ليتوانيا وبولندا . ولم تكن المشاكل المتكررة بين أوكرانيا وروسيا بشأن الغاز، وخطوط الأنابيب الروسية الى أوروبا عبر كييف، في السنوات الأخيرة إلا مظاهر لذلك الصراع على الطاقة . وإلى جانب هدف الغرب تقليل أهمية خطي الأنابيب التابعين لروسيا؛ دروجبا (الصداقة) ونظام خطوط أنابيب البلطيق (BPS)، هناك أيضاً الخط الصيني كازاخستان الصين (KCP) . وأصبح الهدف منذ سنوات تطوير خطوط بديلة مثل خط أوديسا برودي بلوتسك (OBP) وباكو تبليسي جيهان (BTC) بادارة شركات نفط أمريكية وبريطانية كبرى .

وتمكن الخط الأخير، (BTC)، الذي تديره بريتش بتروليم (BP) البريطانية بتوفير مصدر للطاقة الى أوروبا من المحيط الهندي عبر ميناء إيلات والدولة العبرية . إلا أن المصدر الرئيسي للنفط للخط من باكو قديم ومهترئ وآخذ في النضوب، ما جعله لا يعمل إلا بنسبة 10 في المائة من طاقته التشغيلية . وتسعى القوى الغربية لربط الخط بخطوط أخرى بتعاون إسرائيلي جورجي تركي أذري . وهذا من أسباب التعاون العسكري الإسرائيلي مع روسيا وأذربيجان، بمباركة أمريكية .

وعلى الرغم من كل ذلك، لا يبدو أن اعتماد أوروبا على مصادر الطاقة الروسية سيتراجع في المستقبل القريب، بل على العكس هو آخذ في ازدياد لأسباب كثيرة . اول تلك الأسباب أن إنتاج الغاز في دول الاتحاد الأوروبي في تراجع مستمر، ويتوقع أن يصل عام 2020 الى نصف إنتاج عام 2006 الذي بلغ 218 مليار متر مكعب . صحيح أن أوروبا تسعى لإيجاد بدائل لمصادر الطاقة الروسية، لكنها غير فعالة حتى الآن .

ومن تلك البدائل الاعتماد على بناء مرافئ استقبال ضخمة للغاز الطبيعي المسال (وهناك شراكات بين قطر وشركات أمريكية كبرى لبناء أكبر مرفأ أوروبي لاستقبال الغاز الطبيعي المسال)، لكن تلك المشروعات تشهد تأخيراً في مواعيدها كما أن زيادة الطلب في آسيا على النفط والغاز تزيد أسعار الغاز الطبيعي المسال .

كما أن خطط أوروبا على المدى الطويل لزيادة واردات الغاز من دول جديدة مثل مصر ونيجيريا وليبيا بحلول العام 2015 تواجه مشكلات، ربما اهمها زيادة الطلب المحلي في اقتصاديات تلك الدول ما يجعل ما يتبقى للتصدير قليلاً . وهذا ما عبر عنه مسؤول جزائري أخيراً في مؤتمر للطاقة في سلوفينيا عندما أكد أنه ليس باستطاعة بلاده تصدير الغاز بينما لا تلبي احتياجات السكان منه .

وتشير أحدث الاحصاءات الى أن روسيا تمد أوروبا بنسبة 42 في المائة من وارداتها من الغاز وبنسبة 30 في المائة من وارداتها من النفط، وتصل نسبة واردات الطاقة من روسيا في بعض دول الاتحاد الأوروبي الى 80 في المائة من إجمالي وارداتها من الطاقة . في المقابل فإن روسيا تصدر نحو 70 في المائة من صادرات النفط والغاز الى دول الاتحاد الأوروبي . وذلك اعتماد متبادل في مجال الطاقة كاف لجعل الحسابات السياسية والعسكرية أكثر حذراً في أي صراع بين القوتين: روسيا وأوروبا .

* محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"