البدعة

01:51 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ

يشدد بعضهم في أمر البدعة، فيجعل كل بدعة ضلالة، عملاً بظاهر الحديث، وبعضهم يفرق بين العادات والعبادات، فيفهم من الحديث: «كل بدعة ضلالة»، أن المراد به ما يمس جانب العقيدة لا العادة.

وإننا لو تأملنا في مفهوم البدعة، لوجدنا أن كلمة البدعة لها معنى لغوي وهو باب واسع، ومفهوم شرعي أوقع الناس في لبس، وإن كان الشرعي أيضاً ليس ضيقاً كما يفسره البعض.
ولعل أقرب دليل على صحة ما أقول، ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عندما جمع الناس في صلاة التراويح خلف إمام واحد، وقال بعد ذلك: «نعمت البدعة هذه».
وقس على هذا ما نراه اليوم في الحرمين المكي والمدني، حيث إن الإمام يصلي بهم التراويح جماعة إحدى وعشرين ركعة، وإذا قنت أطال في الدعاء أكثر من الصلاة نفسها، ويقرأ في الميكروفون، ويقف على سجاد ناعم.

ولو تأملنا لوجدنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل أياً من ذلك، ولكن لا يقال أيضاً إن ما يفعله الإمام بدعة منكرة ومحرمة، لأن الحديث الآخر يقول: «من سن في الإسلام حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء» (رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة).

فالبدعة هنا حسنة إذاً ومشروعة، لأنها جمعت الأمة على حق، بخلاف من يقيم حفلاً مختلطاً بين الرجال والنساء، ويدعو إليه كل الناس، فمثل هذا الحفل المختلط وإن كان له جانب اقتصادي مفيد حيث إنه يوفر، إلا أن له جانباً آخر مخالفاً لمقاصد الشرع، فهو إذاً بدعة سيئة على من ابتدعها ووزرها ووزر من عمل بها.
- ولقد أحسن سلطان العلماء العز بن عبد السلام عندما قال: «البدعة فعل ما لم يُعهد في عصر الرسول»، ثم قسمها إلى بدعة واجبة وبدعة محرمة وبدعة مندوبة وبدعة مكروهة وبدعة مباحة.
ثم قال العزّ: «البدعة والواجبة كتعلم النحو وتدوين أصول الفقه، والبدعة المحرمة كمذهب القدرية والجبرية، والبدعة المندوبة كصلاة التراويح في جماعة، والبدعة المكروهة كزخرفة المساجد وتلحين القرآن، والبدعة المباحة كالتوسيع في اللذيذ من المأكل والمشرب» (انظر قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام ج 2 ص 337 338).
إذاً ليست كل بدعة حسنة، وليست كل بدعة محرمة، ومدار الأعمال على النية، والعلماء كما يقول الإمام النووي أجازوا بل استحبوا العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والترغيب والترهيب، ما لم يكن الحديث موضوعاً (انظر الأذكار ص 35).
واتفق فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة في قول إنه لا يجوز للمسلم أن يدعو في صلاته بما شاء من حوائج الدنيا والآخرة، أي لا يلتزم بالدعاء المأثور فقط، ولم يعد هذا بدعة، إلا أن الأفضل التقيد بالمأثور.
وقال الحنفية: «يدعو بما يناسب المأثور دون ما يشبه كلام الناس».
وفي فتح الباري ج 2 ص 321 يقول ابن حجر: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو».
أقول بعد هذا: لا تضيق على الناس ما كان واسعاً، ولا تكره إليهم ما كان محبباً، فإن الدال على الخير له أجر فاعله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"