الصلاة خلف مجهول الحال

02:57 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ

ورد في الحديث بأن الإمام جعل ليؤتم به أي يقتدي به من يقف خلفه في صلاة الجماعة، فهل يا ترى لهذا الإمام مواصفات وشروط، أم أنه يجوز لكل واحد أن يتقدم ويصلي بالناس؟
هذا سؤال يطرحه بعض الناس عندما يدخل مسجداً أو يجد الجماعة قائمة فيدخل معهم في الصلاة، ولا يدري من هو الإمام، ولاسيما أنه ليس الإمام الراتب المعين من قبل الدائرة المعنية بشؤون المساجد.
أقول: صلاة الجماعة سنة مؤكدة واظب عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، وحث عليها أصحابه، وفي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة». (متفق عليه)
ودليل سنيتها هذا الحديث، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر على من قال: صلينا في رحالنا، وبهذا قال مالك وأبوحنيفة والشافعي. وبعض الفقهاء يرى أنها واجبة في الصلوات الخمس، ودليله أن الرسول صلى الله عليه وسلم واظب عليها حتى في الحروب والغزوات، فعلمهم كيف يصلون الجماعة في حال الخوف من الأعداء.
ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث آخر: «والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب ليحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليه بيوتهم» (متفق عليه)
استشهد أحمد بن حنبل بهذا الحديث على أن الجماعة واجبة، وإلا ما هدد الرسول صلى الله عليه وسلم بالإحراق.
والإمامة في صلاة الجماعة ليست لكل من هب ودب، بل لها شروط ذكرها الفقهاء في كتبهم مستنبطين ذلك من الأحاديث، ومن تلك الأحاديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله»، والمراد بالأقرأ الأفقه أي: الأعلم بأحكام الصلاة عند بعض الفقهاء، وبعضهم قال بأن الأقرأ الأكثر تجويداً والأجمل صوتاً.
فالإمام مالك يرى أن الأفقه هو الذي يقدم وبه قال الشافعي والأوزاعي، والإمام أحمد يرى أن الأقرأ هو الذي يقدم ليؤم الناس، وهذا هو رأي الإمام أبوحنيفة أيضاً وابن سيرين والثوري.
وربما كان مفهوم الحديث الأحفظ للقرآن الكريم، بدليل أن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، وإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة وإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً». (رواه مسلم)
ومن مثل هذه الأحاديث يفهم أن الإمامة تكون لشخص معروف الحال، وليس مجهول الحال، وإلا لم يصنفهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بل واستنتج الفقهاء أكثر من ذلك، فقالوا: يتقدم للإمامة الأتقى والأورع، لأنه أشرف في الدين وأقرب إلى الإجابة، وقد ورد في الحديث: «إذا أمّ الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال» (رواه أحمد في رسالته).
ويعزز هذا الحديث قول الله تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
لكن مع كل ما ذكر قال الفقهاء بأن تقديم الأفضل في الإمام يراد به تقديم استحباب لا تقديم اشتراط أو إيجاب، فلو قدم المفضول مع وجود الفاضل لصحت الصلاة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"