بأية لغة يخاطب الله تعالى الناس يوم البعث؟

02:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
تكلف الكثيرون فخاضوا في هذه المسألة وحاولوا أن يثبتوا للعالم أن الله تعالى يخاطب الناس يوم البعث باللغة العربية، أو أن يثبتوا أن لغة أهل الجنة عربية، واستندوا في ذلك إلى حديث رواه الطبراني في الأوسط، ورواه الحاكم في مستدركه والبيهقي في شعب الإيمان.

وهو الحديث المنسوب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي)، وفي رواية أنه قال: (أنا عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي).
لكننا لو رجعنا إلى ما قال علماء الحديث عن هذا الحديث لوجدنا أنه لم يصل إلى درجة الصحيح ولا إلى درجة الحسن، فهو ضعيف عند بعضهم وموضوع عند بعض آخر.
يقول ابن الجوزي في كتاب الموضوعات: هو حديث موضوع، وقال الذهبي: أظن الحديث موضوعاً، وأيد الألباني هذا القول فأورده في السلسلة الضعيفة.
وأما ابن تيمية فقال: وكذلك روى أبو جعفر محمد بن عبدالله الكوفي حدثنا العلاء بن عمرو الحنفي حدثنا يحيى بن زيد الأشعري حدثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب العرب لثلاث: لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي) «قال الحافظ السلفي هذا حديث حسن».

يقول ابن تيمية: «فما أدري أراد حسن إسناده على طريقة المحدثين، أو حسن متنه على الاصطلاح العام». وذكر أبو الفرج بن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، وقال: «قال الثعلبي لا أصل له»، وقال ابن حبان: «يحيى بن زيد يروي المقلوبات عن الأثبات فبطل الاحتجاج به»، (انظر اقتضاء الصراط المستقيم ج ١ ص 158).

وسئل ابن تيمية أيضاً: بماذا يخاطب الناس يوم البعث، هل يخاطبهم الله تعالى بلسان العرب؟ وهل صح أن لسان أهل النار الفارسية وأن لسان أهل الجنة العربية؟

فأجاب: «الحمد لله رب العالمين لا يعلم بأي لغة يتكلم الناس يوم البعث، ولا بأي لغة يسمعون خطاب الرب جل وعلا، لأن الله تعالى لم يخبرنا بشيء من ذلك ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، ولم يصح أيضاً أن الفارسية لغة الجهنميين، ولا أن العربية لغة أهل النعيم، ولا نعلم نزاعاً في ذلك بين الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، بل كلهم يكفون عن ذلك، لأن الكلام في مثل هذا من الفضول».
ومن قال بأنه يخاطبهم بالعربية أو بالسريانية أو غيرها فكل هذه الأقوال لا حجة لأربابها لا من طريق عقل ولا من طريق نقل، بل هي دعاوى عارية عن الأدلة والله تعالى أعلم وأحكم (انظر الفتاوى لابن تيمية ج4 ص 299).

ويقول بعض العلماء: لا يصح أن يسند مثل هذا الحديث الذي فيه شيء من التعصب والعنصرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول في حديث: (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) «رواه أحمد بسند صحيح» ولأن مثل هذا الحديث لا يتماشى مع قول الله تعالى: (... إن أكرمكم عند الله أتقاكم...) (الآية 13 من سورة الحجرات).

ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الافتخار بالآباء فقال: (إن الله عز وجل أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، والناس بنو آدم وآدم من تراب، مؤمن تقي وفاجر شقي، لينهين أقوام يفتخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأفواهها) (رواه أبو داوود والترمذي وحسنه وصححه ابن تيمية، انظر اقتضاء الصراط المستقيم ج5 ص35 وص69).

أقول: ومثل هذه الأحاديث وضعت والله أعلم في العصور التي اختلط فيها العرب بالعجم، وصار للعجم غلبة أيضاً إما في عددهم أو في مناصبهم أو في مناقبهم، لأن العرب كلما فتحوا بلداً من بلاد الأعاجم دخل أهلها الإسلام وتعلموا العربية ودرسوا الإسلام حتى صاروا أكثر علماً بقواعد العربية من العرب أنفسهم، وعندئذ كانت تظهر في الطائفتين الغيرة، فالعربي يهاجم ليبرر فضله على العجمي، والعجمي كذلك ليدافع عن نفسه أحياناً.

د. عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"