حكم نكاح السر

02:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
الأصل في النكاح أن يتم بشروطه وأركانه، فيتم العقد بين رجل وامرأة بحضور وليها وشهادة شاهدي عدل، ويذكر عادة في مجلس العقد عن المرأة إذا كانت بكراً أم ثيباً ويسمى المهر، ويشهد الشاهدان على كل هذا وقد سمعا من الزوجين الإيجاب والقبول.
وبعد ذلك يتم إشهار النكاح غالباً بدعوة عدد من الأهل لحضور مجلس العقد، وبعضهم يكتفي بالشاهدين إضافة إلى المأذون والولي والزوجة.
لكن متى يطلق على النكاح بأنه نكاح سر؟ ذهب بعضهم إلى أن نكاح السر أن يطلب من الشاهدين التكتم على النكاح وعدم الإعلان عنه.
قال ابن القيم في «إغاثة اللهفان»: «وشرط في النكاح شروطاً زائدة على مجرد العقد فقطع عنه شبه بعض أنواع السفاح به كاشتراط إعلانه إما بالشهادة أو بترك الكتمان أو بهما معاً».
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح السر، ولكن المراد بنكاح السر الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم هو النكاح الذي لم يشهده الشهود، بدليل أن عمر رضي الله تعالى عنه أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال: «هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدّمت فيه لرجعت» (أخرجه مالك عن ابن الزبير).
فالفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة يرون أن النكاح الذي لم يحضره سوى شاهد واحد هو نكاح فاسد شرعاً.
ففي «رد المحتار» من كتب الحنفية: «شرط حضور شاهدين حرين مكلفين سامعين قولهما معاً فاهمين أنه نكاح».
ويقول الدردير من المالكية: «وفسخ إن دخلا بلاه (أي بلا إشهاد) بطلقة لصحة العقد بائنة لأنه فسخ جبري».
وفي «المجموع» من كتب الشافعية: «ولا يصح (أي العقد) إلا بعدلين».
ويقول ابن قدامة الحنبلي: «إن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين هذا هو المشهور عند أحمد رحمه الله».
إذاً، فإن نكاح السر سواء قصد به إجراء العقد من غير شهود أو تكتم الشاهدين لخبر النكاح، فكلا الأمرين ليس فيه مصلحة الأسرة المسلمة التي ينبغي أن تتحلى بالصدق والأمانة والعفة.
إعلان النكاح يتفق مع مقاصد الشريعة التي تحافظ على الحقوق الزوجية وعلى النسل ومن دون الإعلان قد يضيع المهر إذا تواطأ الشهود مع الزوج في إنكار الزوجية، ثم يضيع النسب وحقوق الأولاد وحقوق الزوجة ويحرمون من الميراث.
ويقول الشيخ شلتوت: «إن الشهادة عند الزواج لم تعتبر شرطاً في صحة الزواج إلا لأنها طريق في العادة إلى إعلانه وإشاعته بين الناس، وإذا طلب منهما التكتم فإن الشهادة كانت مجرد احتيال بشهادة صورية على تحليل ما حرم الله تعالى وكانت لا قيمة لها في نظر الشرع والدين».
لذا فإن الزواج السري يعرض المؤمن لريبة عندما يعرض عن الأحاديث القاضية بإعلان الزواج، فكتمان النكاح يصاحبه الكذب فيجبر الزوج على أن ينكر أمام زوجته الأولى بأنه متزوج من الثانية، وقد يجبر على أن تجهض الثانية من أجل التخلص من تبعات لو علمت الأولى.
ويذكر الباجي من المالكية في شرحه على الموطأ فيقول: «ودليلنا من وجهة المعنى أنه لا خلاف أن الاستسرار في النكاح ممنوع لمشابهته الزنى الذي يتواطأ عليه سراً، فيجب أن لا يجوز النكاح إلا على وجه يتميز عن الزنى، ولذلك شرع فيه ضرب من اللهو والوليمة لما في ذلك من الإعلان فيه».
ويقول ابن تيمية: «الزنا في الجاهلية كان نوعين: نوعاً مشتركاً ونوعاً مختصاً، فالمشترك ما يظهر في العادة، بخلاف المختص الذي كان مستتراً في العادة».
ونخلص من هذا أن النكاح ولو استوفى الشروط والأركان، لا يجوز شرعاً أن يكتم عن الناس لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف].

د. عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"