شراء فندق فيه معاص

03:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
أخبرني أحدهم أنه اشترى فندقاً في دولة أجنبية، وفي هذا الفندق تباع الخمور وتوجد فيه صالة للعب القمار، وسألني: هل يصح هذا البيع أم لا؟
- قلت له: قبل أن نبين الحكم الشرعي في مثل هذه المسألة، أود أن أبين أن الشرع أباح البيع والشراء بشكل عام، ولكن الفقهاء بينوا لنا البيع الحلال من البيع الحرام بضوابط، فذكروا لنا في كتبهم شروطاً بموجبها نحكم على البيع بأنه حلال أم حرام، وأنه صحيح أم باطل .
- فالبيع في الأصل أن يكون صحيحاً، لأن الله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" (الآية "1" من سورة المائدة) .
قال الزجاج عن معنى الآية: "أوفوا بعقد الله عليكم، وبعقدكم بعضكم على بعض" . وفي الحديث الشريف: "المؤمنون عند شروطهم" (رواه البخاري في كتاب الأقضية) . وفي حديث آخر: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط" (رواه النسائي في كتاب الطلاق) .
- فالعقد هو إبرام الأمر والعهد، وهو نقيض الحل، والعقد في كتاب الله تعالى هو ما عقده الإنسان على نفسه من المعاملات مع الخلق، أو مع الله سبحانه كالعبادات المفروضة أو النذور .
والعقد في اصطلاح الفقهاء هو "ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يثبت أثره في محله" . (انظر المدخل الفقهي للعلامة مصطفى الزرقا ج 1 ص 291) .
- وعلماء القانون يعرّفون العقد بأنه "توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني، سواء كان ذلك الأثر هو إنشاء التزام أو نقله، أو إنهاؤه" . (انظر نظرية العقد للسنهوري ص ،81 نقلاً عن القانون الفرنسي) .
- وإذا قارنا بين التعريفين، وجدنا أن تعريف الزرقا تعريف شرعي، فهو قال: "على وجه المشروع"، أي يقبله الشرع الإسلامي، أي لا دخل للهوى فيه، لأنه ليس مجرد اتفاق الإرادتين .
- ورغم أن الفقهاء لهم تعريفات عدة للبيع، فإنهم يتفقون أيضاً على أن للبيع أركاناً أساسية يجب أن تتوافر فيه، وهي عند الجمهور ثلاثة أركان: صيغة وعاقد ومعقود عليه .
- والصيغة: هي إيجاب وقبول، وعاقد: بائع ومشتر، ومعقود عليه: ثمن ومثمّن، وبهذا تكون الأركان ستة .
فالإيجاب هو ما يصدر من البائع، والقبول: هو ما يصدر من المشتري، والإيجاب وحده لن يكون ملزماً، بل لا بد أن يصدر القبول من المشتري، وعندئذ يترتب عليه الأثر الشرعي للعقد .
- واتفق الفقهاء على أن العاقد لا بد أن يتمتع بأهلية التصرف، كأن يكون بالغاً راشداً، وبعضهم أجاز عقد الصبي المميز .
- أما المعقود عليه وهو المبيع والثمن، فيشترط عند العقد أن يكون موجوداً، ويكون مالاً، ومملوكاً لشخص هو البائع أو مأذوناً له بالبيع، ويكون مقدور التسليم، ومعلوماً بالمشاهدة أو الوصف، ويكون منتفعاً به شرعاً وطاهراً .
- إذاً، يتضح من هذا أن شراء فندق معلوم سلفاً بأن فيه معاصي، يعد من البيوع الباطلة عند الجمهور، لأنه يباع فيه ما ليس بطاهر وما لا ينتفع به شرعاً .
ونقرأ في كتب الأحناف أنهم لا يشترطون الطهارة في صحة البيع، بل قالوا: "أن يكون مالاً متقوماً" (انظر بدائع الصانع للكاساني ج 5 ص 144) .
ونقرأ في كتب المالكية إجازة بيع السرجين للحاجة، والسرجين هو سماد الحيوان المجفف، ومعروف أن السماد يدخل في باب غير الطاهر (انظر الشرح الصغير ج 3 ص 24) .

د . عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"