عمل المسلم لدى غير المسلم

03:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
هذه الظاهرة منتشرة في هذه الأيام، حيث إن بعض المسلمين يعملون لدى غير المسلمين من الكتابيين وغير الكتابيين، في بلاد الإسلام وفي غير بلاد الإسلام، والحاجة والضرورة حملت الناس على مثل هذا .
يقول بعضهم بعدم الجواز، ويفهمه بأنه من باب ولاية غير المسلم على المسلم، وهذا لا يصح، لكننا بينّا في مقال سابق أن ذلك في النكاح أو في العبادات لا يصح، لأن الأعمال القُربية تحتاج إلى النية، والإسلام فيها شرط، بخلاف المعاملات فإنها تصح من المسلم وغير المسلم .
ثم إن المسلم إذا اشتغل لدى غير المسلم فرداً كان أم حكومة، جاز ذلك طالما في ذلك مصلحة ولا يضر بالإسلام في شيء .
واستدل المجيزون بقصة نبي الله يوسف عليه السلام، حيث إنه طلب من عزيز مصر قائلاً: "اجعلني على خزائن الأرض . ." (الآية 55 من سورة يوسف) .
وربما قيل: إن ذلك كان جائزاً في شرع يوسف ولنا شرعنا، فنقول في جوابه: إن شرع من قبلنا شرع لنا، طالما أنه لا يخالف شيئاً في ديننا، ولا يصطدم بآية أو حديث .
وقد استدل البيضاوي بهذه الآية فقال: "فيها دليل على جواز طلب التولية وإظهار أنه مستعد لها والتولي في يد الكافر، إذا علم أنه لا سبيل إلى إقامة الحق، وسياسة الخلق إلا بالاستظهار به" (انظر تفسير البيضاوي ج3 ص 137) .
ويقول الزمخشري: "وإذا علم العالم أنه لا سبيل إلى الحكم بأمر الله، ودفع الظلم إلا بتمكين الملك الكافر أو الفاسق، فله أن يستظهر ذلك" (انظر تفسير الكشاف ج2 ص 263)
ويقول الآلوسي: "في هذا دليل على جواز طلب الولاية إذا كان الطالب ممن يقدر على إقامة العدل وإجراء الشريعة، وإن كان من يد الجائر أو الكافر، وربما يجب عليه الطلب إذا توقف على ولايته إقامة واجب مثلاً، وكان متعيناً لذلك" .
(انظر روح المعاني ج7 ص 5) .
أجل . . يفهم من أقوال هؤلاء العلماء أنه يجوز للمسلم أن يعمل لدى غير المسلم إذا كان قادراً على أن يحقق مصلحة الشريعة الإسلامية، وهي عدم ارتكاب المنهي عنه شرعاً .
في حين أن بعض العلماء شدّد فقال: "لا يصح للمسلم أن يعمل لدى غير المسلم مطلقاً" وقال عن قصة يوسف إنها حالة خاصة به (انظر القرطبي ج9 ص،215 وردّ عليه بأنه لا دليل على الخصوصية) .
وقال مجاهد إن فرعون يوسف كان قد أسلم على يد يوسف، وردّ عليه بأن هذا لم يثبت بديل (انظر تفسير الطبري ج 13 ص 5) .
بل يرى ابن تيمية رحمه الله تعالى أن فرعون يوسف كان كافراً وغير صالح بدليل الآيات التي هي مثل قوله تعالى: "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك . ." (الآية 76 من سورة يوسف) .
لكن مع ذلك يرى ابن تيمية والدكتور وهبة الزحيلي، جواز أن يتولى المسلم ولاية لدى دولة كافرة، لتحصيل مصالح، وحفظ حقوق المسلمين، لأن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتعطيل المفاسد وتقليلها . (انظر الفتاوى ج20 ص 55)

د . عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"