ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم

01:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
د . عارف الشيخ
في دين الإسلام ما هو مأمور به بنص الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وما هو منهي عنه كذلك بالأدلة نفسها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عن فاجتنبوه) (رواه البخاري ومسلم) .
- لكن في الحياة ما لم يدخل في المأمورات ولا في المنهيات، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، فهل تركه لذلك الشيء يكفي دليلاً لإثبات حكم شرعي، وإن فعلناه اعتبر بدعة في الدين؟
وإذا كان مدار العمل في الإسلام على الأحكام الشرعية الخمسة: الواجب والسنة والمكروه والمباح والحرام، فإن أياً منها لا يثبت أيضاً إلا بدليل، والترك لم يدخل في أي منها مباشرة، وربما يقال إنه يدخل في المباح، وعندئذ لا يقال لصاحبه إنه مبتدع .
- من هنا فإن الفقهاء استحدثوا قواعد أخرى لإثبات الحكم الشرعي مثل: قول الصحابي، وسد الذريعة، وعمل أهل المدينة، والحديث المرسل، والاستحسان، والحديث الضعيف .
- ومن هنا فإن الدين مبني على الرفق، والشدة والمغالاة في الأمور ليستا من المأمورات بل من المنهيات، وفي الحديث أيضاً: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان" .
- وما يفعله المسلم يبتغي به وجه الله تعالى، يعد مشروعاً ما لم يخالف المأثور، وليس بالشرط أن يكون مأثوراً بنصه وفصه، وقد ورد عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله تعالى عنه قال: "كنا يوماً نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة، قال: سمع الله لمن حمده، قال رجل وراءه ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه .
فلما انصرف قال: من المتكلم؟ قال: أنا، قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً" .
يقول ابن حجر: استدل بهذا الحديث على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور .
- إذن مجرد ترك الرسول صلى الله عليه وسلم للشيء لا يعني حرمة ذلك الشيء، وفعل الصحابي هذا في الصلاة وبحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، كان دليلاً على مشروعية عمله، إذ لو كان غير صحيح لزجره الرسول صلى الله عليه وسلم أو لنهاه عنه، والقاعدة الفقهية تقول: "تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز" .
- وهناك أمر مهم ينبغي لنا أن نفطن له، هو أن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم يدل على واحد من ثلاثة:
- إما أنه فعل جبلة أي طبيعة، كأكله وشربه وقيامه وقعوده، ومثل هذا الفعل يدخل في المباحات، فإن اقتديت به فلا بأس، وإن تركت فلا بأس أيضاً .
- وإما أن يفعل شيئاً ويقصد به التشريع كأفعال الصلاة والحج وغيرهما، فهنا نحن مأمورون بالاتباع، لأن فعله كان مقصوداً .
- وإما أن يكون فعله خاصاً به هو عليه الصلاة والسلام، كالجمع بين تسع نسوة، فلا يصح لنا أن نتزوج في وقت واحد أكثر من أربع، بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل .
كلا ففعله هذا لم يكن تشريعاً لأمته، بل كان خاصاً به، ففي مثل هذا يحرم الاقتداء والتأسي .
- وينسب إلى الإمام الشافعي قوله: "كل ما له مستند من الشرع، فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف" .
وقال العلماء: الأصل في الأشياء الجواز ما لم يرد ما يدل على الحظر، وقال عليه الصلاة والسلام: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" يراد به المحدثات التي لم تستند إلى أصل شرعي يفيد الجواز .
تأمل في هذا الحديث الصحيح: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده لا ينقص من أجورهم شيء" (رواه مسلم) ._
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"