متى يجوز الكذب؟

02:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

لا تفهموا من هذا العنوان أني أروج للكذب أو أدعو إلى استخدامه في حياتنا العامة، كلا فأنا أكره الكذب وأكره سبعة من حول من يروج للكذب.
- ولقد رأيت في حياتي أن بعض الناس يعدك بأن يأتيك أو يفعل لك الشيء الفلاني، ثم لا ترى شيئاً من ذلك، وإذا واجهته يعدك مرة أخرى بأن يفعل لك ذلك حالاً، ولكنه لا يفعل.

- مثل هذا الإنسان يعدّ نفسه من الناجحين في الحياة، لكنه عند الله تعالى فاشل حقاً، والرسول صلى الله عليه وسلم سماه منافقاً، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
- فشل هذا الذي يعد ويخلف، ويتحدث ويكذب، يفعل ذلك حتى يُكتب عند الله تعالى كذاباً، ولا شيء أضر في حياة المسلم من الكذب.

وفي الحديث: أن رجلاً قال: «يا رسول الله هل يكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم، قال: هل يكون بخيلاً؟ قال: نعم، قال: هل يكون كذاباً؟ قال: لا».

- إذاً فإن الكذب يخرجك من الملة، فلا تكون من المؤمنين، وإذا لم تكن من المؤمنين، فأنت من المنافقين الذين وصفهم الله تعالى بأنهم في الدرك الأسفل من النار يوم القيامة.

- نعم.. الكذب ليس من صفات المؤمنين، ولكن مع ذلك فإن الإسلام أباح الكذب في مواضع لجلب مصلحة ودفع مضرة، قال عليه الصلاة والسلام: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً وينمي خيراً» (متفق عليه).

- وورد في حديث آخر عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله تعالى عنهما: «لم أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل لامرأته والمرأة مع زوجها».

- وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها، أي أنه عليه الصلاة والسلام لم يبين للسائل وجهته الحقيقية، لأن الحقيقة هنا فيها إضرار بالإسلام، فيوري (أي يخفي) الحقيقة لمصلحة المسلمين، ولا يعد مثل هذا كذباً طبعاً.

- ومثل هذا لو ائتمنك إنسان على ماله، ثم جاءك من يريد أن ينهب هذا المال فقلت بأنه غير موجود لديك، وهو موجود لديك، فإن هذا لا يعد كذباً، لأنك حافظت على الأمانة، ولو قلت الحقيقة لضاعت الأمانة.

- وإذا كانت لك أكثر من زوجة، فليس من المصلحة أن تصارح كلاً منهن بما تجده أنت عليها، أو تنقل ما تقول هذه إلى تلك، ولكن المصلحة أن تظهر بأنك لها أكثر من غيرها، وتقول لها بأن فلانة تذكرك بالخير دائماً.

- يقول ابن القيم: «يجوز أن يكذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المسلمين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب»، (انظر زاد المعاد ج 2 ص 145).

- ويقول ابن الجوزي: «الكذب ليس حراماً لعينه، بل لما فيه من الضرر، والكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن أن يتوصل إليه بالصدق والكذب جمعياً، فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إذا كان يحصل ذلك المقصود مباحاً، وواجب إذا كان المقصود واجباً، إلا أنه ينبغي أن يتحرز عن الكذب ويوري بالمعاريض مهما أمكن، لأن الكذب إنما أبيح لضرورة أو حاجة» (انظر كشف المشكل ج 4 ص 459).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"