معاملة الوالدين بالمثل

01:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

كثيراً ما يتصل بي بعض الناس فيقول: والدي يعمل وله أولاد غيري، وله دخل يستطيع أن يعيش عليه، لكن مع ذلك يطالبني دائماً بأن أعطيه من راتبي، وإذا لم أعطه دعا علي أمام الناس، مما يجعل الناس يظنون أني أعامل والدي معاملة سيئة، وأني عاق له، في حين أنه يظلمني ويحرمني من حقوقي كابن له، وكوالد لأولادي.

- أو تشتكي لي بنت من سوء معاملة أمها لها، حيث إنها تفضل سائر بناتها عليها، أو أنها تطالبها بأن تنفق على البيت، مع العلم أن الأخريات يعملن، أو أنها تهددها بأن تحرمها من ميراثها إذا لم تعطها جزءاً من راتبها.
- أقول: إن مثل هذه الصور كثيرة، وأنا أعلم أن كثيراً من حالات عقوق الأولاد للوالدين سببها الوالدان وليس الأولاد، لذلك قال عمر رضي الله تعالى عنه لرجل: جئت تشكو عقوق ابنك لك وقد عققته من قبل؟
- نعم.. إن الله تعالى قرن حق الوالدين بحقه فقال: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً» (الآية رقم 36 من سورة النساء).
وفي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً، ولا عدلاً..» ومنهم العاق لوالديه، وفي حديث آخر يعد الرسول صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من أكبر الكبائر.
- وفي الحديث أيضاً الأمر بأن نصاحبهما بالمعروف لقول الله تعالى: «.. وصاحبهما في الدنيا معروفاً..» (الآية رقم 15 من سورة لقمان).
- ولم يجز القرآن الكريم أن يتأفف الولد من طلبهما أو من خدمتهما فقال: «فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا»، (الآيتان 23، 24 من سورة الإسراء).
- لكن أود أن أقول: إن بعض الآباء وبعض الأمهات سامحهم الله تعالى، لا يتصفون بالمنطق، ولا بالعقلانية، فيعتقدون أن الحق الذي أعطاهم الدين، هو سيف مسلط على رقاب الأولاد، فيهددونهم به في أي وقت يشاؤون. غير مقدرين ظروف الأولاد، لدرجة أن بعضهم يجبر أو تجبر الولد على أن يطلق زوجته لا لأنه كزوج لا يحبها، بل لأنه كأب أو لأنها كأم لا تحبها.
وفي هذا كثير من القسوة على الأولاد، بل على بنات الناس أيضاً اللاتي تنازلن عن عوائلهن من أجل الزوج.
- مثل هذه الصور لا شك أنها قاسية وخالية من الإنسانية، ومع ذلك ننصح الأولاد بأن لا يخرجوا عن طورهم وأن يكونوا ميزاناً بين الزوجة والوالدين، وبين حق أنفسهم وحقوق الوالدين، ولا يجوز للولد أن يلجأ إلى مقاطعتهما ولا إلى الدعاء عليهما لا في حياتهما ولا بعد مماتهما، لأن الله تعالى قال «وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا» وما يحصل من بعض الآباء وبعض الأمهات في زماننا، لا يعمم على كل الآباء وكل الأمهات، ونعتبرها حالات خاصة.
- ثم إنني أنصح الأبناء بأن يوفروا سكناً مستقلاً للزوجة، لأن كثيراً من المشاكل الأسرية سببها أنهم يسكنون مع الوالدين، خاصة وأن غيرة النساء تعجز عن حملها الجبال، ولذلك لا تطيق الأم زوجة ولدها إذا رأته يحبها ويدلعها، فتحاول أن تبعدها عن قلب ولدها، وهذا في الحقيقة إثم كبير تقع فيه الكثير من الأمهات اليوم.
- ومن الآباء من يستغل راتب الولد إذا كان متزوجاً من أخرى، وهذا غير جائز أيضاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"