أهمية دعم الإبداع

00:49 صباحا
قراءة دقيقتين
ما من شك في أن من يقدم للثقافة دعماً إنما هو ينطلق من إيمان عميق بأهميتها والدور الكبير الذي تلعبه في بناء شخصية الفرد والمجتمع والحفاظ على المنجزات الحضارية والمعرفية التي قدمها الآباء للأجيال القادمة حتى لا يأتي جيل لا يؤمن بما أنجزه الأوائل فتتعرض كل تلك الموروثات إلى الضياع والتدمير بسبب الجهل بالقيمة الأدبية والحضارية لتلك المنجزات، فالثقافة طريق للمعرفة، وهي الجانب المشرق لبناء عقل يعي متطلبات المجتمع، ويبصر مستقبله واحتياجاته، وتدفع عن الأمم ما يدخلها في أنفاق الجهل التي تتسبب في ضرر يودي بالمجتمع إلى العمل على رفع الأذى ومعالجة انعكاساته المظلمة، والعلم هو السد المنيع والحائط الصلب الذي يقاوم الجهل والتخلف والفرقة، ولذلك فإن الدعم يرسخ اهتمام الأمم بالثقافة ويسهم في رسم هويتها ووجودها على خريطة التقدم والتطور ومواكبة متطلبات العصر على أسس علمية سليمة، ولذا فإن ما يقدمه الكريم المحب للثقافة من سخاء نفس إنما ينطلق من إيمانه المطلق بالحب الذي يبذله ويبذره في آن، وهو ينتظر بفارغ الصبر في أن تتفرع الأغصان وتؤتي أكلها نتاجاً أدبياً رفيعاً ينعم بخيره من ينتسبون إليه، أما إذا ما بذر هذا العطاء في تربة لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ووُظِّفَ دعمُهُ من أجل خدمة مصالح شخصية وأيديولوجيات وقناعات تخالف الهدف الذي أراده الداعم فإن المردود سيكون هزيلاً، أو ربما يكون معول هدم، بدل من أن يكون ساعد بناء، ولن يتحقق من وراء انحراف هذا الهدف ما أراده الداعم من هدف ورؤية.
إن المشاريع العظيمة التي تحظى برعاية ودعم سخي من قبل محبي الثقافة في حاجة إلى أن تجد نفوساً صادقة وقدرات عالية وخبرات تدير العمل المدعوم بأمانة ومصداقية، وأن يوكل أمر تفعيل الأنشطة الثقافية للمختصين الذين يقدمون خدمات جليلة وبرامج تتناسب مع الهدف الذي رسمه الداعم ليتحقق بعد ذلك حلمه ورؤيته من وراء هذا الدعم.

وقد عرفت الحياة الثقافية قديماً مشروعات ثقافية كان هدفها الأسمى هو دعم المثقفين والمبدعين بوجه خالص من كل منفعة ذاتية، وهو ما حقق طفرة في عصور ماضية، وكان وجه الأدب في هذه الحقب ناصع البياض، وقد عرفت أيضاً الثقافة العربية مشروعات لم تصب في مصلحة المبدعين من أي وجه لأنها كانت لها مآرب أخرى، لذلك لم تنجح وباءت بالفشل، والكثير منها توارى خلف سياج الزمن، واليوم وفي العصر الذي نعيشه نجد أنفسنا أمام تحديات كبيرة في ظل الحاجة الملحة للدعم الأدبي والثقافي، لأن الأمم لا تزدهر ولا تتقدم ولا تتفتح فيها زهور الحياة إلا من خلال الاهتمام بالمبدعين، ومن ثم إنشاء مشروعات ثقافية كبرى تخدم الإبداع وتصب في الصالح العام دون رياء ولا سمعة أو من أجل البحث عن شهرة زائفة وصيت يتوارى مع مرور الأيام، إننا نبحث عن المصداقية الحقيقية في المشروع الثقافي حتى يظل خدام الثقافة هم حراسها الأمناء أصحاب مشروعات حقيقية فيشهد لهم الزمان ويشهد لهم التاريخ بأنهم قدموا شيئاً لإسعاد البشرية.

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"