شموس مزدهرة وعيون من ورد

01:51 صباحا
قراءة دقيقتين
الحب في القاموس الإنساني غطاء مشاعر وهواجس تسكن قلب الشاعر وطبقات الناس جميعاً، والحب شموس مزدهرة، وعيون من ورد، وسماء تضحك من علياء الكون، وقد بلغ الوله الشعري والافتتان بالحرف والفكرة الفلسفية بالشاعر نزار قباني حد الجنون فكتب بيتاً من الشعر يفيض بالجمال يعبر عن أهمية الحب في حياتنا حتى ولو لم يكن هذا الحب موجوداً أصلاً فيقول:

الحبُّ في الأرض بعض من تخيُّلِنا

لو لم نجدْهُ عليها لاخترعناهُ

وحقيقة الحب أنه لا بد من أن يروي الجذور حتى تنبت شجرته في الحياة، فهو ينمو كطفل ويكبر كزهرة تتفتح، وقد أقام الشعراء في مراتع الخصب الأبدي فبنوا مدائنهم العاشقة في مجرات الخيال وسماوات العنفوان، فيقول عمر بن أبي ربيعة:

سلام عليها ما أحبّت سلامنا

فإن كرهتْهُ فالسلامُ على الأخرى

حيث يعبر في هذا البيت عن ذات متضخمة عاشقة لنفسها محبة لذاتها لكنها تستطيع أن توزع الحب والسلام على من يبادلها الحب والوله، وها هو الشاعر أبو تمام يقول:

لئن ظمئت أجفانُ عيني إلى البكا

لقد شربت عيني دماً فتروّتِ

وهو هنا يعيش في أعتى حالات الألم النفسي كمحب عاشق يذوب في قطرات البكاء، أما المنخل اليشكري فقد أضاء بحلمه وجه الأرض وأصاب الحقيقة في موضعها بخيال يندر أن يتفوه به الشعراء وهو يقول لزوجته وهو في قمة النشوة والحب:

وأحبها وتحبني

ويحب ناقتها بعيري

بهذا البيت الحداثي المبتكر تحدث ببلاغة رائقة وتلقائية المحب عن منطقه في عالم الهوى والمشاعر ليظل هذا البيت هو ذروة التعلق بالمشاعر الفياضة الرائقة.

وفي يتيمة الحصري القيرواني يقول بقلب منفطر وحنين عجيب:

ما أحلى الوصل وأعذبهُ

لولا الأيامُ تُنَكِّدُهُ

بالبينِ وبالهجران فيا

لفؤادي كيف تجلُّدُهُ

والشاعر يصور حالاته العاشقة عندما يصل إلى «لفؤادي كيفَ تجلّدُهُ» وهي صورة حافلة بالمجاز معبرة عن هذا الشاعر الذي ينادي في ظلمات الوجود ويصرخ فيقول:

يا ليلُ الصبُّ متى غدُهُ

أقيامُ الساعة موعدُهُ

وهي صورة للمحب الذي يمتلئ صبابة وشوقاً إلى أن يرى غده في حضرة المحبوب، إذن فهو الحب الذي يصير الشعراء ويكيف واقعهم ويشبعهم بالحرارة الروحية، وامرؤ القيس نفسه يقول لمحبوبته:

أغرّكِ مني أنَّ حبَّكِ قاتلي

وأنّكِ مهما تأمري القلبَ يفعلِ

وتتجلى قيمة الحب في أحلك الظروف لتجمل الوقت والقبح، وقد حضر الحب في شعر عنترة وهو ينازل الفرسان في ساحات الوغى ويقول في بيتين قيل إنهما من أغزل ما قالته العرب:

وَلَقَد ذَكَرتُكِ والرِّماحُ نَواهِل

مِنّي وبِيضُ الهِندِ تَقطُرُ مِن دَمي

فَوَدَدتُ تَقبيلَ السُيوفِ لأَنَّها

لَمَعَت كَبارِقِ ثَغرِكِ المُتَبَسِّمِ

والاستشهادات الدالة على عظمة الحب في عيون الشعراء كثيرة ولا تنتهي، فهم عشاق الجمال، عاشوا من أجل الحب ورسموا طبعاً شفيفاً بين الوهم والحقيقة كان الحب هو هذا الخيط الذي يرتبط به الشاعر ويلوذ به بيتاً يسكنه وقصيدة تغمره .

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"