صوت الورقة

03:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
ليست مبالغة إذا قيل إن الجهل يهبط بالإنسان إلى درجة لا تليق به، والعلم يرتفع بالإنسانية ليصل بها إلى مراتب تجنبها الردى وتدخلها مدن الأمن والطمأنينة .
ومن أجل العلم ودوره في حياة الشعوب وصنع الحضارات لا يزال مشهد أولئك الثلاثة الذين يحملون السلاح ماثلاً أمامي، الرجل المسن الضعيف البنية وهو يحمل على ظهره كيساً يكاد يسقطه على الأرض، وولده الصغير الذي قلده فيما يفعل من باب ترسيخ الفهم والحفر في الذاكرة، والطفلة التي تجر عربة الأكياس تلك التي تخبئ في داخلها سلاحاً فتاكاً ومهماً يمنح الإنسان التوازن والثبات والقدرة على المواجهة وتحقيق النصر، سلاح قد لا تصمد أمامه آلات الحرب المتنوعة التي لم تكن لتتحدث في الفضاء، وتسلط سيف غضبها على البشر لولا الكلمة التي قالها هذا السلاح، وترجمها الفكر الذي شرب من مناهل العلم ومشارب الثقافة .
ولا تزال إمارة الشارقة تلعب دوراً مهماً تتبوأ من خلاله مكانة رفيعة باهتمامها بالثقافة والأدب، متسلحة بالرعاية والمتابعة والدعم من قبل راعي هذا الحراك المهم في حياة البشرية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ولذلك ترسخت الثقافة والقراءة لتصبح ديدن الناس، وتكون جزءاً لا يتجزأ من كينونتهم وهويتهم .
عوّدنا معرض الشارقة الدولي للكتاب في كل دورة من دوراته على تفعيل دور الثقافة، وأنسنة الكتب التي تزين الأرفف في قاعات المعرض، فالمعرض ليس كتباً صامتةً بليدة، إنما تعدى هذا الفهم ليجعل للمكان ألسناً تتحدث، وعقولاً تفكر وتحلل، فممراته ليست مساحات للأجساد المكتظة وهي تمر على دور النشر التي تعرض أنواعاً مختلفة من الثقافات، إنما أصبحت بها حركة صوتية موازية ومتناغمة مع أصوات الأقدام، وهي تضرب الممرات بخفة وببطء، ولم يقتصر الوقوف عند الكتب لقراءة عناوينها الكثيرة، إنما أصبح الوقوف عند المقاهي الثقافية أمراً معتاداً لدى الكثير من الذين يدخلون مساحات المعرض وقاعاته، يمرون على الشعراء وهم يترنمون بعذب الكلام ويموسقون المعنى ويراقصون اللغة، ويقفون عند المفكرين والنقاد والمحاضرين الذين يحفرون خلف القضايا ويغوصون في أعماق الفكرة، وينتج عن كل ذلك تفاعلاً جميلاً يلتصق بالذاكرة والمكان .
يعمل هذا المعرض الشارقي على تفعيل قضية تواصل المبدع بجمهوره من خلال استضافة بعض الأسماء المهمة في الأدب والشعر وغيرها من الفنون، ما يسهم في التقارب بين الفكر والفهم والإنسانية وبين الكاتب والمتلقي، ويهيئ لحوار مشترك بينهما ليزيل في بعض الأحيان غبش وترسبات الاستيعاب والتأويل، وتتسع مساحة هذا التواصل لتشمل اللقاءات الاجتماعية تحت سقف هذا الموسم الثقافي الجميل، فأين ما تولي بوجهك ثمة عناق وسلام حار ولهفة بعد غياب ودهشة لقاء غير متوقع، وكل هذه التفاعلات تتجدد فيها دماء القرب والتواصل والصلة الاجتماعية والإنسانية، كما أن الطفولة تجد لها متسعاً من المرح الذي خطط له أن يكون عامل جذب وتشويق وتقريب إلى الكتاب والعيش في روحانيته من خلال هذا الاقتراب الذي يعد غرساً لحب القراءة وتربية على التواصل معها، وهو سبيل يمهد لشراء ما يرضي الميل والهوى ويناسب رغبات واهتمامات الطفولة .
معرض الشارقة الدولي للكتاب ورق له صوت مموسق جميل، وتظاهرة أدبية وثقافية ينتظرها محبو الثقافة كل عام لتجديد دماء المعرفة بما يُعرض من جديد على مستوى الكتب والندوات والأمسيات .

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"