نجمة تهدي البحارة للمرسى

02:45 صباحا
قراءة 3 دقائق
قال عنها وهو يتحدث بحرقة عن وضع متعب وكئيب يعانيه كما وصفه في مكان إقامته: "إنها النجمة التي يهتدي بضوئها البحّارة الذين يصارعون الموج والظلام والضياع، تدلهم على المرسى ليحمدوا الله بعد وصولهم سالمين إلى بر الأمان" .
كان يتحدث عن غياب شبه تام لما يعيد للكاتب والشاعر والمثقف حيويته ويشعره بوجوده حياً، فالموت السريري الذي يعانيه واقع الحركة الثقافية في بعض الأماكن يميت معه الكثير من الطاقات الإبداعية، ومن كتب له البقاء فإن قدراته ستظل مترهلة واهنة، وإن عاد بعد حين فإنه سيحتاج إلى تمارين شاقة من أجل إعادة لياقته التي تدفعه إلى التقدم واللحاق بركب من سبقه وواصل المسير في طرق الإبداع والكتابة .
الحراك الثقافي في أي مكان، ولدى أي شخص يحتاج إلى لياقة وممارسة لتقوية عوده أمام رياح تحاول زحزحة هذا الكائن المتغلغل في وجداننا وتراثنا وهويتنا، فثقافتنا جزء من وجودنا وحياتنا وحضارتنا، وإن ضعف هذا الجانب فإن جيوش الفكر الأخرى التي تحاول الزحف لاحتلال مدن الفكر لدينا قد تفرض علينا الأمر الواقع بقوة التأثير والتأثر واحتلال المنابر الإعلامية ودخول المؤسسات الثقافية لفرض واقع جديد سيحاول بكل تأكيد إزاحة خصمه الذي وقف شامخاً ومحارباً وفياً لأمته وتراثه وحضارته وهويته .
هناك مؤسسات ثقافية كثيرة، وتحمل مسميات لها وثيق الصلة بالأدب والثقافة، لكنها أماكن تسكنها الأشباح، ويعشش في زواياها الهم والكآبة، وينسج عنكبوت الغياب خيوطه على أبوابها، فوجودها أصبح شبيهاً بغيابها، فلا حراك يوجد في داخلها، ولا تفعيل لدورها، ولو قدر لك الدخول إلى بعضها مدفوعاً باسمها الرنان الذي تعلق عليه آمالاً عريضة وتجد المكان مضيئاً سيصدمك أحد المتواجدين، وكأنه حارس للمكان فقط بأنه لا فعاليات تقام إلا ما ندر .
وبسبب هذا الواقع المر الذي تعيشه بعض المؤسسات والأماكن قدم بعض الكتاب والشعراء استقالتهم من مؤسسة الفكر والأدب، وانشغلوا بأمور الحياة كما يقولون، ويردون عليك بعبارة معلبة وجاهزة "نشوف أكل عيشنا أفضل من هذا الهم الذي لا فائدة ترجى منه" .
إمارة الشارقة كما صورها هذا الشخص على أنها النجمة الثقافية لقيامها بدورها المخلص والفاعل تجاه الثقافة والأدب والفن، هي إمارة تدب فيها حركة هذا الفعل باستمرار، فهي لا تكل ولا تمل في تقديم صورة المسرح والفنون والشعر والرواية والقصة وغيرها، ولا تنطلق هذه الإمارة من فراغ أو بلا هدف، فوراء هذا الحراك خطة ورؤية، ويحركها الهم الذي يحمله صاحب هذه الرؤية لتكون جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس، وأصبحت الشارقة بفضل الله ثم بفضل ورعاية ودعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، رعاه الله تتوزع فيها الفعاليات بطريقة مستمرة لا تنقطع، فمن معارض للكتب إلى مهرجات للمسرح والفنون والشعر وغيرها، وتأتي هذه المهرجانات متوالية تشعرك بأن الخير وفير، وبأن الأرض معشبة، ففي هذه الأيام تزدحم الشوارع بمحبي الكتاب والقراءة، وبعدها بقليل ستجد الشعراء يملؤون المكان بتغاريدهم الجميلة، وسترى الشارقة تتزين بمهرجان ضوئي يرسم لك لوحات تتحرك، وسيواصل الفن دوره والمسرح رؤيته .
في الشارقة لن يضجر ذئب الكتابة، فأحد هؤلاء الذئابة قال وهو يتحدث عن مكانه الذي يقيم فيه: لقد ضجرت كثيراً، وأحاول أن أكون في هذه الإمارة كي أتنفس، لأن المكان الذي أنا فيه لم يعد المثقف مهماً أمام متغيرات الحياة وهمومها .
الثقافة في أي مكان تحتاج إلى أبي فراس آخر كي يقول عنها: ومن يخطبِ الحسناءَ لم يُغلهِ المهرُ، وفي الشارقة تشعر بأن داعم هذا الحراك يجسد هذا الهدف ويردد : تهونُ علينا في المعالي نفوسُنا، فهنيئاً للمثقفين بهذا الحب، وهذا الرحم الموصول .

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"