إعلام برؤية فردية

03:52 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

غيرت وسائل التواصل الاجتماعي، الكثير، منذ أن قرر البشر إدخالها في حياتهم كأدوات جديدة للتواصل. ولم يمر وقت طويل قبل أن تتحول وسائطها المختلفة إلى الأسلوب الأكثر عصرية للتعبير، لنقل الخبر ومناقشة القضايا المهمة والاستعراض الاجتماعي، وأخيراً لإثارة مخيلة الفرد العاطفية والذي يتعامل مع ما يقدمه الآخرون، عبر المنصات المختلفة بواقعية باتت المهيمنة على مشاعر المحبة والكره والتعاطف والنفور.
يقول المفكر والناقد السعودي الدكتور سعد البازعي «الإعلام الجديد يخضع لرؤية الفرد، ويتحرك في فضاء خاص، يميزه من جانب، ويقلل من شأنه في جوانب أخرى»، فهذا البديل يؤثر في وعينا بماهيتنا وإحساسنا بالسمات التي تميزنا، وهذا المنطق يشكل أهمية بالغة، حيث يشكل أرضية محورية ينطلق منها الأشخاص، للتفاعل والتعبير والتعبئة والتفرد الثقافي؛ فالهوية هنا أصبحت سلطة شرعية تقدم الاستقلالية والرفاه الاجتماعي، وكما يشير بروفيسور علم الاتصالات مانويل كاستلز، ما هي إلا «ردود فعل دفاعية»، ولكن إن كان ذلك، فهذا الإعلام خاضع لتصورات ذاتية تتحرك في فلك من الحرية السائلة، تحركها العاطفة والرغبات قبل أي شيء.
أما القائمون بمهمة الاتصال، فهم من غير المتخصصين في معظم الحالات، ممن يتقنون استخدام الميزات الجديدة في حالة من عدم التزامن والكونية، والاندماج بين الوسائط، لتحقيق التركيز المطلوب على المحتوى المقدم، وشد الانتباه وهي سلعة العصر الأولى. وقد أسهم هذا النفوذ الفردي، في كسر احتكار المؤسسة الإعلامية الكلاسيكية، وصناعة ما يعرف بالإعلام الموجه إلى الجمهور. كما أنه أعاد صياغة الكثير من الأجندات الإعلامية والمؤسساتية.
وقد خرجت في الآونة الأخيرة، مطالبات تدعم فكرة استبدال الوجوه الإعلامية التي تطل علينا عبر القنوات الكلاسيكية، بوجوه أخرى شابة أثبتت جدارتها في ميدانها الحر، من حيث قوة التأثير، وجذب المتابعات؛ ولكن ما مدى منطقية هذه المطالبات؟ وكم عدد الذين نودّ استبدالهم؟ وهل يثبت نجاحهم في الشبكة، بالضرورة، تمكنهم من أداء المهمة عبر المؤسسة؟
ولن أطرح هنا فكرة الأخلاقيات المهنية، فتلك لها مقام آخر، ولكن يجب ألا ننسى أن «مقدم المحتوى» الذي نقيس أداءه بكثرة عدد المشاهدات والمتابعين، هو ذاته من قلب وظيفة التواصل الاجتماعي الأساسية، لتتحول إلى أداة للتحزب والتفرقة، وبث الكراهية، في مواقف كثيرة، فهل يمكن أن نضع عقولنا تحت رحمة هذا المكون الحديث، جرياً وراء ظاهرة «الترند»؟
إن الإعلام ليس هو الفرد، بل منظومة متكاملة لا نطالب بعزلها عن المجتمع الشبكي، بل نؤكد ضرورة الانتباه إلى الكثير من الخيارات التي يمكن أن تكلف مجتمعات بأكملها الكثير من بنائها المعرفي والإنساني والأخلاقي، كما نطمح إلى أن تقدم المؤسسة الإعلامية البدائل الحقيقية والحلول المستدامة، لمعالجة هذه الفجوة الآخذة في الاتساع يوماً بعد يوم، بين الإعلام كما نعرفه، وما بعده.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"