إذا أردت اختبار إنسان والتعرف إلى معدنه، فراقب مواقفه، وسلوكاته في أوقات الشدة. والناس معادن بينهم النفيس، وبينهم الرخيص، وفي حياتنا أناس من ذهب، وأناس من فضة، وإذا أردت أن تختبر الجيد من الرديء في المعادن عليك أن تصهرها في النار، وكلما زادت قيمة المعدن، ونفاسته، استعصى على النار، وسرعان ما تذوب وتنفصل عن المعدن النفيس كل ما علق به من شوائب ليزداد صفاء، وبهاء.
الأزمات، والكوارث، والمحن، كلها شدائد تمر علينا لتصقل قيم ومبادئ الإنسان، وتُظهر المخبّأ منها. وخلال الأزمة التي تعرضت لها الإنسانية مؤخراً، بفعل انتشار فيروس كورونا، ظهرت وبانت فينا أخلاق لم نكن نحن أنفسنا نعي أننا نملكها.
اجتاح العالم خوف، ورعب، وهلع، ووقف شبابنا وشاباتنا المتطوعون الوقفة الشامخة التي لا تراجع بعدها في هذه المواجهة، وقفوا يداً واحدة لمساعدة المريض، والتخفيف عنه، مع أخذ كل الاحتياطات والتدابير للسلامة والوقاية، للحد من الانتشار.
ممرضة تترك ابنها الرضيع ١٢ ساعة وهي في الخط الأول لمجابهة هذا الفيروس، لأن الواجب الإنساني والمهني يحتم عليها العمل في هذا المكان، لتقف يداً بيد مع الأطباء، والعاملين في هذا المجال، لأداء رسالتهم المقدسة.
وأخرى تترك أهلها، وعائلتها، وتفضل البقاء قريبة من المرضى، ومعاينتهم، وخدمة الوطن والمجتمع في وقت الأزمات، وهؤلاء ليست قليلة عليهم إشادة صاحب سمو الشيخ محمد بن راشد، بمبادرتهم، وعملهم.
ما الذي يجبر هؤلاء على تعريض أنفسهم لخطر محتم، والبقاء مع المريض، ورؤيته يتألم، إلا أخلاقٌ نبعت من الصميم، ومبادئ بنيت على صلاح السريرة؟
البقاء في الحجر معزولين عن أحبابنا، وأهلينا، وتدريب النفس، وتطويع مشاعر الشوق واللهفة، وضبطها، والتغلب على مشاعر الحزن واليأس، والتحكم فيها، وتناسيها، والتغافل عنها بأمور بالمقدور ممارستها في البيت، وكل ذلك يتطلب منا جلَداً، وصبراً، وقوة، دليل على قوة تحمل المسؤولية، وتكاثف وحدتنا تضامناً مع الحكومة التي تضرب لنا أروع الأمثلة الإنسانية، وامتثالاً لقوانينها المستجدة لمواجهة هذا الوباء.
وضربت دولتنا أمثلة رائعة في التعاون والتضامن الدولي في تحويل مركز «إكسل لندن» إلى مستشفى مؤقت ميداني، وملعب الاتحاد الخاص بفريق مانشستر ستي إلى مركز لتدريب وتأهيل الممرضين للتعامل مع المصابين، وإجراء الاتصال مع رؤساء الدول، وتأكيد وقوف دولة الإمارات معها، ومساندة شعوبها، وإرسال المعونات اللازمة، فأخلاق حكومتنا مداد لأخلاقنا.
وتضافرت الجهود في الدولة لتسجل بذلك منطقة نايف، في دبي، صفراً في الإصابات، في حين أنها منطقة تبادل تجاري كبير، ووجود كثافة سكانية كبيرة فيها، وأغلب من فيها من المقيمين.
يقول لقمان الحكيم لابنه: يا بني الناس معادن تصقلها الشدائد، فأمسك بأسنانك على من يؤازرك في شدتك، ولا تحزن على من فقدْته، ولم تجده في محنتك.
ميثا السبوسي
عن الكاتب
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا
