«اذهبوا فأنتم الطلقاء»

03:43 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبدالعزيز المقالح

سؤال باتساع الأرض والبحر والفضاء، لم يتردد على ألسنة الملايين من المسلمين في الوطن العربي والعالم الإسلامي فحسب؛ بل يتردد كذلك على ألسنة الملايين من الأجناس وأتباع الديانات الأخرى، فقد بلغ النزيف الدموي وتكاثرت الضحايا من الشيوخ والنساء والأطفال في هذه المنطقة، حداً جعل العالم كله، باستثناء قوى الشر والمستفيدين من الحروب العبثية، في حالة من الألم والاستنكار على إهدار الدماء والاقتتال اليومي، وما يتسبب عنه من نزوح وتشريد.
والغريب، بل المخيف، أن تتم بعض هذه الحروب الدائرة تحت مسميات إسلامية، والإسلام منها براء، فقد جاءت هذه العقيدة السماوية لنشر المحبة والعدل والسلام في العالم، وكما أن الرسول الذي حمل رسالة هذا الدين قد جاء وفقاً لما في القرآن الكريم، وبكلمات من خالق الكون والكائنات «وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين»، فأين تلك الرحمة ممن يشنون الحروب، ويعتدون على البشر باسم الدين، أي دين؟! وحين نعيد النظر في مواقف الرسول حامل رسالة هذه العقيدة، نتبين من خلال التطبيق، لا من خلال الكلام، كيف كان باراً رحيماً بالبشر، ولا تزال الإنسانية المؤمنة، تردد كلمته الخالدة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» التي واجه بها أعداءه الألداء بعد ما انتصر عليهم، وفيهم من تآمر عليه وأخرجه من مسقط رأسه، وألّب عليه أعداء آخرين، لكنه بعد أن ظفر بهم التزم ذلك الموقف العظيم، الذي يحقن الدماء وينزع الاحتقان من النفوس، الإسلام إذاً كما هو، وكما جاء رحمة وعدلاً وسلاماً، ليس في هذه الصورة، التي يقدمها البعض من المقاتلين والمتقاتلين على السلطة الدنيوية تحت شعارات، الإسلام أنقى منها، وعقيدته أكثر حنواً بالبشر، وبسائر المخلوقات، وليس في أتباعه الصادقين والمخلصين شيء من هذا الحقد الذي ينضح من بعض الصدور الخالية من الصدق والإيمان، ومن هذه الخصومات الضاربة في أعماق النفوس المريضة.
وفي هذه المناسبة الدينية العظيمة، مناسبة عيد الأضحى، ينبغي أن يتذكر المسلمون في كل مكان، جوهر دينهم وجوهر فرائضه، فالأضاحي والتصدق بها على الفقراء والمعوزين ليست شعار هذه المناسبة فقط، وإنما شعارها الحقيقي هو الحج، هذه الفريضة التي تجمع الأبيض والأسود والأصفر والأحمر، في بقعة واحدة، وفي ثياب واحدة، والأضحية في هذه المناسبة لا تشير إلى الأضاحي بقدر ما تشير إلى ضرورة أن يضحي الإنسان المسلم بأطماعه وأنانيته، وأن يخرج إلى الحج، وقد خلع من نفسه كل ما يربطه بالحياة من مناصب ومن أموال ومن أهل، وارتدى الكفن الأبيض تعبيراً عن الخروج الأخير من الحياة، التي خرج منها كما عاد إليها. ولو وعى المسلمون هذه الحقيقة، لما عرفوا نزاعاً ولا دخلوا في أي نوع من الصراع المدمر والمميت، ولكانوا في منأى عن الاحتراب الذي لم يشوه حياتهم، وحياة مواطنيهم ومعاصريهم فقط، بل نجح في تشويه الصورة الحقيقية والجوهرية للإسلام، وهي العقيدة التي باطنها الرحمة وظاهرها السلام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"