«الأونروا».. الشاهد المستهدف

03:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

لا غرابة في أن تلجأ الطغمة الحاكمة في «إسرائيل» والقوى الغربية الداعمة لها إلى استهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومحاولة تفكيكها وإلغاء وجودها تماماً، وذلك لأسباب كثيرة، لعل أولها وأهمها هو أن «الأونروا» تمثل عملياً الشاهد الدولي على الجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق الشعب العربي الفلسطيني، عبر إقامة دويلة «إسرائيل» على أرضه وأرض أجداده، في مؤامرة غربية كبرى، سعى أصحابها إلى حل ما سمي بالمسألة اليهودية على حساب العرب، وتحديداً الشعب الفلسطيني، الذي قتل الآلاف من أبنائه بالإضافة إلى تدمير المجتمع الفلسطيني، وتشريد القسم الأكبر من هذا الشعب في أنحاء العالم، أمام مرأى ومسمع الدول الكبرى والأمم المتحدة التي أنيط بها مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين.
ولو تساءلنا الآن عن الأسباب التي تدفع «إسرائيل» أو الولايات المتحدة إلى استهداف «الأونروا» لتبين لنا أنها أهداف سياسية بحتة، فكما ذكرنا، تمثل «الأونروا» شاهداً حياً على الجريمة بحق الشعب العربي الفلسطيني، حيث عاصرت هذه الوكالة المأساة الفلسطينية منذ أيامها الأولى، وسجلت بدقة حجم هذه المأساة.
وعلى الرغم من أن فكرة إنشائها لم تكن نظيفة في البداية وأن الهدف منها كان تثبيت فكرة التعامل مع القضية الفلسطينية على أنها قضية لاجئين، يمكن معالجتها من خلال مساعدات دولية، أريد منها تهدئة الشارع الفلسطيني، إلا أن أحداً لا ينكر أن هذه الوكالة ساعدت من دون أن تدري في ترميم الحياة الاجتماعية لآلاف من الأسر الفلسطينية التي قذف بها المشروع «الإسرائيلي» إلى التشرد، كما أن المساعدات التي قدمتها ولا سيما في مجال الصحة والتعليم، ساهمت في رفع مستوى العلم والثقافة الفلسطينيين. ففي مدارس «الأونروا» نشأ الجيل الفلسطيني الذي خاض الكفاح ضد «إسرائيل» على مدى عشرات السنين من عمر المشروع «الإسرائيلي» في فلسطين، زد على ذلك أن «الأونروا» هي الوكالة الدولية التي تحتفظ سجلاتها بأعداد اللاجئين الفلسطينيين وأسمائهم، وهو ما يؤهلها لأن تمثل شاهد الإثبات الأقوى على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى بلادهم بموجب القانون الدولي، ولاسيما القرار رقم 194 القاضي بحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم أو تعويضهم إن أرادوا، ناهيك عن أن «الأونروا» تعتبر إلى الآن الجهة الدولية المسؤولة عن تقديم المساعدة والرعاية لنحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني منتشرين في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة.
أما خدماتها فتشمل التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والقروض الصغيرة، والاستجابة لحالات الطوارئ في أوقات النزاع المسلح، كما أن جيش العاملين في «الأونروا» الذي يقارب الثلاثين ألفاً جلهم من اللاجئين الفلسطينيين، يساعد على إظهار المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون، في ظل التشرد أو الحصار «الإسرائيلي».
وإذا تمعنا في كل هذه المهام التي تضطلع بها «الأونروا»، نستطيع في الواقع فهم المواقف «الإسرائيلية» المعادية تجاه هذه المؤسسة الدولية، كما نستطيع فهم الموقف الأمريكي الأخير منها، والقاضي بتقليص المساعدات الأمريكية إليها بمقدار النصف.
فوكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين«الأونروا» تحولت مع الزمن إلى منصة دولية تدين الاحتلال «الإسرائيلي» وتعري مخططاته، نظراً لطبيعة عملها الميداني الذي يتيح لها دائماً الاطلاع على أدق التفاصيل في معاناة الشعب الفلسطيني المكافح.
وإزاء ما تقدم تبدو مهمة إنقاذ «الأونروا» ضرورية لإبقاء قضية التهجير القسري الذي مورس بحق الشعب الفلسطيني ماثلة أمام الرأي العام العالمي، خاصة إذا ما علمنا أن القرارات التي تتخذ في «تل أبيب» وواشنطن تجاه هذه الوكالة قرارات نابعة من المواقف السياسية المعادية للشعب الفلسطيني، والمعارضة لحقه في العودة إلى بلاده، وهو حق يكفله له القانون والأعراف الدولية، وعليه فإن دعم «الأونروا» يمثل مسؤولية سياسية وأخلاقية لكل من يسعى إلى تحقيق السلام في هذه المنطقة، إن كان جاداً في مساعيه.
وأخيراً لابد من القول: إنه رغم كل المساعي «الإسرائيلية» والأمريكية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، إلا أن التاريخ أثبت ويثبت أن الشعب الفلسطيني سيبقى متمسكاً بحقوقه التاريخية والمشروعة في أرض أجداده مهما كانت الظروف، وهذه الحقيقة التاريخية لا تتعلق بالشعب الفلسطيني وحده وإنما هي ديدن كل الشعوب التي ابتليت بالاستعمار عبر التاريخ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"