«تواصل» الفتنة والفوضى

02:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

نعم.. العبث والفوضى عبر وسائل التواصل الاجتماعي يأكلان من منجزات البشر وسمعة الدول، ونحن جميعنا نعاني هذه الفوضى التي باتت تهدد سلمنا الأهلي، وتنال من رموزنا، وتُشوِّه تاريخنا ومنجز أجدادنا الحضاري؛ بل وتحط من قيمة تراثنا وإنسانية أفعالنا.
الرسالة التي وجهها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، إلى أبناء الإمارات والمقيمين على أرضها، ضمن رسائله مع بداية موسم العمل بشأن فوضى مواقع التواصل، وأوهام من يريدون زيادة عدد متابعيهم بأي ثمن وعلى حساب أي منجز، هي رسالة من المهم أن يستمع إليها ويقرأها بعناية كل عربي. هي تمسنا جميعاً، وتحذر من خطر يهددنا على كامل مساحة الأرض العربية، بعد أن نال من بعض دولنا وحوّل مدناً عربية إلى مدن أشباح؛ خربها ودمرها قطيع من أبنائها، وعابرون للحدود قادمون من جهات الأرض الأربع، وكل ذلك بتوجيه وتحفيز من «ذباب إلكتروني» سلم نفسه لشيطان هدم الدول الذي لا يريد لهذه المنطقة سوى أن تعيش في حالة من الفوضى، ولم ولن تكون الفوضى إلا هدامة حتى لو رفعوا لها الشعارات «الخلاقة».
وسائل التواصل الاجتماعي وُجدت لتكون أدوات للتواصل والتقارب والتعاضد، ولكن بيننا زبانية أرادوا لها أن تكون وسائل للتنافر وبثّ الحقد ونشر الكراهية والترويج للعنف والإرهاب، وللأسف وجد هؤلاء الزبانية من يتبعونهم، سواء عن جهل وعدم وعي، وهم الأغلبية ممن ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا قطيعاً، أو عن وعي وسبق إصرار وهم قلة اتبعوا طريق الشيطان، ولهم مآرب سلطوية ومادية، ولديهم أجندات مفروض عليهم تنفيذها، وإلا فالعواقب ستكون وخيمة.
«فتنة التواصل» أصابت الكثير من قطاعات حياتنا، وأصبح كل من هب ودبّ يُفتي فيما لا يعلم، ويُصدر للناس خرافات جهالته. نرى ذلك في الدين، في الطب، في الاقتصاد وأحوال البورصة، في السفر، وقبل كل ذلك في السياسة، والعلاقات الدولية، والنتيجة فتنة بين الشعوب وكراهية بين الناس، وأحقاد بين الطبقات وقاموس من المصطلحات البذيئة والشتائم غير المسبوقة، وتحريض على العنف والعنف المضاد.
وبعد أن جعل الفاشل من نفسه طبيباً، وأفتى في أمور الصحة، وشخّص المشعوذ أمراضاً عجز أمامها العلم، ونصح الجاهل بأدوية ووصفات شعبية تصيب ولا تعالج، ازدادت المشاكل البدنية وتضاعفت الأمراض النفسية، وتدهورت صحة أناس استسلموا لموجات الطب الإلكتروني البديل.
الطامة الكبرى، في مجال الدين، بعد أن سادت حالة من الفوضى في الإفتاء ليحرّم بعضهم الحلال ويُحلل الحرام، ويتبعه القطيع مردداً كلامه، مدافعاً عن فتاويه، متبنياً دينه الذي يختلف عن صحيح الدين الذي تعلمناه واتبعناه عن يقين وإيمان عقلي وقلبي، ولم يكن أبداً مجرد موروث عن آبائنا الأولين.
ولكم أن تتخيلوا أن 56 في المئة من إجمالي الفتاوى المرصودة حول العالم صدرت عن جهات غير رسمية ولا تستند لأي أسانيد شرعية، وأن مؤشر الفتوى في رمضان الماضي رصد بعضها (الفتاوى) من جنسيات مختلفة، ينشر الواحد منهم ما لا يقل عن 60 فتوى في اليوم الواحد عبر مواقع التواصل، وكأنهم يتسابقون فيما بينهم لنشر البلبلة بين الناس!. إن حالة الفوضى التي خلقتها هذه المواقع ستتضاعف تأثيراتها إن لم تجد حزماً من الحكومات، وصداً من الأفراد، وتعاوناً بين الجميع لمجابهة هذا الخطر الذي يهدد حياتنا ومستقبل أبنائنا، وهو ما يستلزم قوانين وتشريعات ضد كل من ينشر الأكاذيب، أو يتبنّى تغريدات فتنوية أو يثير نعرات طائفية أو يُفتي في الدين أو الطب، من دون رخصة علمية ورسمية، ويستلزم أيضاً من الأفراد الإبلاغ عن أصحاب حسابات نشر الفوضى والفتنة، وأضعف الإيمان نبذ هذه الفئة التي تسعى للنيل من دولنا ومؤسساتنا وديننا وقيمنا ورموزنا، وصحتنا وجميع مقدراتنا.
يُدرك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، خطورة ما يحدث في الفضاء الإلكتروني ويحذر من العبث والفوضى التي تنشرها فتنة التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن سمعة الإمارات ليست مشاعة لكل من يريد زيادة عدد المتابعين.. قلّة هم القادة الذين يستشعرون مخاطر التواصل الاجتماعي على دولهم، وأثره السلبي في شعوبهم، فبينهم من يلاعب الرأي العام بهذه الوسيلة، ومنهم من يقاطعها ويرضى أن يكون زعيماً على هامش العصر.
رسالة محمد بن راشد تستهدف الداخل الإماراتي ولكن قيمتها تتجاوز أي حدود وتحذر من مرض تعانيه الأرض العربية، ويوجع كل حريص على مستقبل هذه الأمة، لذا من الضروري التعامل معها على أنها رسالة لنا جميعاً ولأجل مستقبل أبنائنا، كي لا يتحكم فيهم «الفتنويون» وصناع الفوضى الهدامة وأصحاب الأجندات والساعين إلى تهميشنا أو إسقاطنا من خريطة الجغرافيا، بعد طمس حقائق التاريخ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"