« حماس » حين تفتح باباً للتفاوض

05:18 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي

الحديث عن اتصالات غير مباشرة بين حركة حماس وتل أبيب من أجل التوصل إلى تهدئة أو هدنة ليس أمراً جديداً. فقد سبق أن عقدت أكثر من هدنة بين الجانبين في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك. وبعض هذه الهدنات صمد وبعضها لم يصمد. وأن تتردد أنباء عن اتصالات غير مباشرة وجديدة بين الطرفين، فهو أمر على جانب من الأهمية، ويثير بضع ملاحظات.

الملاحظة الأولى أن من حق أبناء قطاع غزة أن يتمتعوا بحياة طبيعية يرتفع معها الحصار البحري والجوي، وكذلك الحصار البري باتجاه الضفة الغربية المحتلة. الاحتلال الذي انسحب من القطاع قبل عشر سنوات أبقى على حصاره الخانق حتى لا ينعم أبناء القطاع بثمرات هذا الانسحاب. والآن فإن الحديث يدور عن هدنة تدوم خمس سنوات وربما عشر سنوات مقابل رفع تدريجي للحصار.
الملاحظة الثانية أن الواقع الشاذ القائم لا يقتصر على فرض الحصار بل يمتد إلى رفض تشغيل المطار وإقامة ميناء، والتحكم في إدخال السلع والمواد إلى قطاع غزة. الاحتلال يدعي أنه رفع يديه كلية عن القطاع، لكنه في واقع الأمر يتحكم بمجرى الحياة في القطاع وبكل ما يمس الحياة المعيشية والأمنية. وجل ما فعله الاحتلال هو إبدال الاحتلال المباشر بحصار خانق شبه شامل.
الملاحظة الثالثة أنه اذا كانت غزة تتمتع بقدر من الاستقلال عن الاحتلال، أكبر بكثير مما هو قائم في الضفة الغربية فإن ذلك لا يطمس كون القطاع مازال يعيش حالة اعتماد على الاحتلال في مجال الطاقة وتبعاً لذلك في مجال الكهرباء التي تغذيها الطاقة. ومعنى ذلك أن الانفصال السياسي القائم، لا يقابله انفصال اقتصادي كامل. ومن المؤلم حقاً أنه مع استمرار الصراع مع الاحتلال فقد خلق الأخير درجة من الاعتمادية عليه في مجالات حيوية، ومنها في بعض الحالات في المجال الطبي حيث يضطر غزيّون تحت ضغط الحاجة، إلى الاستشفاء في مشافٍ لدى الجانب الآخر، ما يدلل على درجة التعقيد لدى الاضطرار إلى التعامل الحياتي حتى مع رفع راية الصراع معه.
الملاحظة الرابعة أن وتيرة الصراع المسلح مع العدو قد انخفضت بصورة ملموسة في العامين الأخيرين، ما يجعل الحديث عن هدنة مفترضة أو محتملة أمراً واقعياً يعكس واقع الحال ولا يفترق عنه. فحركة حماس الحاكمة أمنياً (رغم تضحيتها بحكومتها لمصلحة حكومة المصالحة) تنضبط في المجمل، ولا تحتمل صراعاً عسكرياً مفتوحاً مع العدو قد يقوض أو على الأقل يمس بسلطتها الأمنية. وفي العديد من الحالات تقوم حماس بضبط ومنع عمليات عسكرية ضد الاحتلال تقوم بها فصائل اخرى، وكما كان عليه الحال أيام كانت هناك سلطة واحدة تجمع غزة ورام الله.
والصحيح في هذه الظروف أن تقوية الجبهة الداخلية وتحصينها لأغراض دفاعية يتقدم في الأهمية على خوض صراع عسكري مفتوح مع العدو يهدد التجمعات السكانية الكثيفة لأبناء القطاع، كما حدث خلال حربين مدمرتين تعرض لهما القطاع في السنوات العشر الأخيرة، ومازالت فرصة إعمار ما هدمته الحربان ضئيلة بسبب العوائق المتعمدة التي يضعها الاحتلال أمام إدخال مواد البناء.
الملاحظة الخامسة أنه ليست هناك من ناحية المبدأ مشكلة في التفاوض غير المباشر من أجل هدنة تؤدي إلى رفع أشكال الحصار وتسمح بتشغيل المطار والميناء. وتؤدي إلى تنشيط الحياة الاقتصادية بما يوفر فرص عمل لعشرات الآلاف من العمال المتعطلين، علما بأن الاحتلال سوف يساوم على كل صغيرة وعلى كل جزئية، وسوف يعمد كالعادة إلى إطالة أمد التفاوض حتى يمضي الفلسطينيون سحابة اعمارهم في تفاوض مديد يمنحهم الفتات من حقوقهم. المشكلة خلال ذلك هي سياسية. فحركة حماس تتصرف باعتبارها قيادة ثانية لشعبها. قيادة تقطع الصلة بالقيادة الأولى بما يجعل من الثانية في مصاف الأولى!. إذا مضت حماس في هذا المنطق وهي ماضية فيه، فمعنى ذلك ان الباب سيكون مفتوحا أمام أي فصيل للتفاوض منفرداً مستقبلاً مع الاحتلال. تعدد مركزية القرار يؤدي إلى ازدواجية وربما لاحقاً إلى ما هو أسوأ منها.
لقد جرت مصالحة وطنية قبل نحو عامين، وتنازلت حماس عن حكومتها التي كان يرأسها اسماعيل هنية، لكن حماس لم تفتح الطريق نحو اجراء انتخابات من أجل تجديد الشرعية وتوحيدها على مستوى المجلس التشريعي أو رئاسة السلطة. والآن فإن الشروع في إجراء مفاوضات غير مباشرة مع الاحتلال، يجعل من المصالحة فاقدة لمضمونها السياسي. والأسوأ هو تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حين تجيز سلطة غزة لنفسها اتخاذ قرارات منفردة تتعلق بالقطاع دون بقية الأراضي المحتلة.
أجل إن السلطة في رام الله تقوم من جانبها بخطوات منفردة من دون مشاركة حماس، لكن الأخيرة تبدي تردداً في الالتحاق بإطار قيادي جامع، وترى عملياً أن الوضع الحالي أفضل من الوحدة التي قد تقيد حركتها وقراراتها.
الصهاينة لا يخفون رؤيتهم إلى أن غزة هي التي تمثل الدولة الفلسطينية التي يطالب بها العالم!. أما الضفة الغربية المحتلة فهي«يهودا والسامرا» حسب التعبيرات الصهيونية.

تكريس انفصال غزة يعني تثبيت مركز فلسطيني في القطاع، ولن يكون هذا المركز في المستقبل سوى على حساب وحدة الوطن والشعب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"