أسئلة تحتاج إلى جواب

04:47 صباحا
قراءة 3 دقائق

ها أننا بدأنا نرى الكثير من الدول التي أسهمت في تفجير الأزمة المالية العولمية الأخيرة أو اكتوت بنارها، تضع لنفسها بعض السياسات وبعض الخطوات التنفيذية التي قد تسهم مستقبلاً في تجنيبها الوقوع ضحية للممارسات الخاطئة لمؤسسات المال والاستثمار والاقراض في الداخل والخارج .

وتمتد تلك المراجعة من وضع ضوابط للإقراض الفردي والمؤسسي، إلى وضع محددات لنظام إعطاء هبات الحوافز والمنح السخية الفاحشة لأعضاء مجالس إدارات البنوك والاستثمار، إلى وضع أنظمة للإفصاح والشفافية، إلى فصل البنوك التجارية عن البنوك أو النشاطات الاستثمارية، إلى مراجعة للفساد الذي تواجد في مؤسسات من مثل مؤسسات تصنيف درجات الائتمان لمختلف صناديق وشركات وبنوك الاستثمار . بل إن المراجعة امتدت للاستراتيجيات الاقتصادية لبعض الدول، كما فعلت الصين مثلاً، عندما قررت التقليل من الاعتماد على اقتصاد التصدير إلى الخارج، والاستثمار أكثر في بناء اقتصاد يعتمد على الاستهلاك الداخلي .

ومؤخراً فتحت أوروبا عيونها على مأساة إحدى دولها (اليونان) التي كانت إحدى أكبر ضحايا الممارسات المالية الخاطئة السابقة، وبدأ الحديث عن وضع ضوابط أشد صرامة لما يسمح به للدول الأعضاء الأوروبيين من ممارسات مالية واقتصادية .

إنها مراجعات وطنية من جهة، ومراجعة للعلاقات الاقتصادية ضمن التكتلات الاقليمية من جهة ثانية، وأخيراً مراجعة للنظام الرأسمالي العولمي المتوحش غير المنضبط من جهة ثالثة .

إن المراجعين، من حكومات ومجالس نيابية ومؤسسات رقابية، يعلمون جيداً بأن البديل لعدم المراجعة واتخاذ بعض خطوات التصحيح سيكون فقدانهم للانتخابات القادمة أو مواجهتهم لغضب مجتمعاتهم العارم أو استفحال الأزمة الحالية تدريجياً حتى تصل إلى مستوى الفاجعة الاقتصادية الكبرى .

هذا هو حال العوالم الأخرى، في الغرب وفي الشرق، في الشمال والجنوب، فما هو حال دول مجلس التعاون؟ دعنا نضع جانباً غياب الشفافية وقلة المعلومات وغياب المحاسبة التي تميزت بها ساحات المناقشات والاسئلة الحائرة طيلة السنة الماضية، وذلك بشأن نتائج الأزمة المالية العولمية، وآثارها في الصناديق الخليجية السيادية والاستثمارات الرسمية والخاصة في الخارج، لنقفز فوق تلك الأوجاع إلى طرح اسئلة جديدة .

أول الاسئلة يتعلق بالفوائض المالية الجديدة، نتيجة ارتفاع أسعار البترول من حوالي ثلاثين دولاراً للبرميل إلى خمسة وثمانين دولاراً، بل هناك تنبؤات باستمرار الارتفاع . من جديد، ما هي السياسة الاستراتيجية الاستثمارية التي ستتبعها دول مجلس التعاون كي تقلل من أخطار ضياع جزء كبير منها، فيما لو حدثت هزة عولمية اقتصادية مالية جديدة أو حتى لو أن تعافي الاقتصاد العالمي احتاج لوقت أطول بكثير مما تفصح عنه دوائر اتخاذ القرار في العواصم الكبرى؟ نحن هنا نتحدث عما ستفعله دول المجلس مجتمعة، طالما أنها تخطّط لعملة واحدة مستقبلاً، ولاقتصاد اندماجي مشترك في المستقبل المنظور . إن اليورو كاد أن يواجه الويلات بسبب سوء تصرفات بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي، ولذا تقرر مراجعة السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية السابقة .

فهل سيقوم مجلس التعاون بوضع ضوابط تحمي أعضاءه من شطط الآخرين في الأسواق العولمية ومن فساد الآخرين في مؤسسات المال والاستثمار العولمية؟ وفي الوقت نفسه هل سيضع ضوابط ليحمي نفسه، ككتلة اقتصادية، من شطط بعض أعضائه في أمور المال والاستثمار؟ هل سنسمح لأنفسنا بمواجهة يونان خليجي في المستقبل، أم سنتخذ كل الاحتياطات اللازمة، وعلى ضوء تجارب الآخرين وتجاربنا أيضاً، لتجنّب تلك اللحظات التي قد لا نقوى على معالجتها بسبب هشاشة وضعنا السياسي والإداري؟

بل لنطرح السؤال المحوري الذي سأله الكل مرات ومرات من قبل . هل سنحذو حذو بلد كالصين، على سبيل المثال، ونبدأ بمراجعة كل استراتيجياتنا الاقتصادية والاستثمارية السابقة؟ هل سنأخذ مسؤولية اتخاذ القرارات الاقتصادية المستقبلية من أيادي الصغار الليبراليين الجدد الذين أصبحوا ملكيين أكثر من الملك في تعاملهم مع العولمة وفي إغماض عيونهم عن فواجع الرأسمالية العولمية المتوحشة؟ أسئلة تحتاج لجواب .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"