أسئلة تحتاج لإجابة

04:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

سنفترض أن مستشارين من الأشرار قدموا نصائح شريرة لأناس مسؤولين ساذجين، وذلك بالنسبة لبناء جدار فولاذي يفصل غزة المستباحة عن أرض الكنانة . سنفترض أن النوايا وراء بناء جدار العار هي نوايا حسنة وأن تلك النوايا هي واحدة من بين ألوف النوايا الحسنة التي حدثنا عنها تاريخ البشرية وحذرنا من تبعات تنفيذها، إذ كم من الجرائم ارتكبت باسم النوايا الحسنة .

سنفترض أيضاً أن أولئك السذج لم يقرأوا تاريخ الجدران ولم يسمعوا عن سقوطها وعن السقوط المذهل لأهدافها . ولذا دعنا نذكرهم بأن من سبقهم إلى إقامة الجدران أناس آخرون فما جنوا إلا الفشل، فلقد أقيم جدار برلين الشهير وبقي واقفاً عقوداً عدة إلى أن أسقطته معاول ومطارق البسطاء العاديين المشتاقين لنسائم الحرية . وأقيم في الوقت نفسه تقريباً جدار من أسلاك كهربائية قاتلة في الجزائر المناضلة فلم يمنع ذلك انتصاراً لأحرار على ظلم وعبودية ورعونة الاستعمار الفرنسي .

وفي مصر الحبيبة الثائرة لكرامتها أقام الكيان الصهيوني المتعجرف جدار بارليف الترابي الشهير فاقتحمته جموع المجاهدين المصريين في حرب خاطفة ستبقى إحدى أهم الملاحم العربية في القرن العشرين . ومنذ بضع سنوات أقام الحليفان الشقيقان، أمريكا والقوى الصهيونية، جدارين: أحدهما بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وثانيهما بين أرض الكيان الصهيوني المنهوبة المحتلة وأرض أصحاب الأرض التاريخيين الحقيقيين من عرب فلسطين . كلا الجدارين يقف اليوم شاهداً على السقوط الأخلاقي والتشوه الإنساني في المجتمعين الأمريكي والصهيوني، وسينهاران طال الزمن أم قصر، إذ هما ضد التاريخ وضد مسيرة الإنسانية .

إذن هل يريد السذج ممن بلعوا النصيحة الشيطانية أن يضافوا إلى قائمة الفشل والعار تلك؟ أم أننا سنسمح أن ينطبق علينا ما قاله ألبرت اينشتاين من أن الجنون هو تكرار عمل الشيء مرة بعد مرة والاعتقاد بأن النتائج ستكون مختلفة؟ حقاً إن النتائج ستكون مختلفة هذه المرة وإن دروس التاريخ وتجارب الآخرين لا قيمة لها ولا نحتاج أن نتعلمها ونعي غيرها؟

ومع ذلك فلنضع التاريخ وعبره وتجارب الآخرين ودروسهم ولنسأل السؤال المفجع التالي: هل أن النظام السياسي قد اتخذ قراره بإخراج مصر العروبة والإسلام إلى خارج التزامات العروبة والإسلام؟ وفي هذه الحالة هل اتخذ قراراً بالانقلاب على تاريخ مصر المشع في كل شبر من أرض العرب والمبهر للأبصار، وبتغيير ثقافة شعب مصر الشقيق العظيم لتكون ثقافة خارج أخوة العروبة والإسلام وخارج التزامات الجيرة وخارج القيم الإنسانية النبيلة؟ وما البديل الذي يراد لمصر من قبل أصحاب القرار؟

هل البديل أن تكون السيادة الوطنية فوق كل اعتبار آخر؟ لكن ما قيمة السيادة الوطنية لكل قطر عربي إذا تناقضت مع الالتزامات القومية العربية العليا ومع أخوة الإسلام؟ ما قيمة السيادة إذا كان توكيدها العبثي يصب في صالح ومطالب قوة امبريالية كالولايات المتحدة الأمريكية ويدعم الجنون الحقير البربري للصهيونية النازية في فلسطين المحتلة؟

هل البديل هو أن ينقلب هذا القطر أو ذاك كأداة تأديب لأية مقاومة عربية باسلة سواء أكان ذلك في غزة الجريحة المهانة أم في الجنوب اللبناني أم في العراق المحتل؟ هل البديل أن تستعمل أمريكا هذا النظام السياسي العربي أم ذاك لقلب الموازين وجعلها في صالح القوى الفلسطينية الضعيفة البائسة المستسلمة غير الراغبة في أي مقاومة من أي نوع ضد من نهبوا أرض فلسطين؟

جواباً على هذه الأسئلة، وغيرها كثير مما يطرحه الآخرون، نرجو أن لا نحصل على تبريرات تجعل ذلك الجزء الغالي الحيوي من الوطن العربي خارج الحسابات . عند ذاك ستكون الكارثة القومية التي ستجعل الرئيس الراحل عبدالناصر يبكي في قبره .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"