أسئلة حول مجاملة الحمق الأمريكي

03:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

عندما يقف رئيس دولة كبرى ويعلن في احتفال امبريالي صاخب، فوق أرض مغتصبة وأشلاء شعب مشرد، أنه ينحاز إلى فكرة يهودية الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. وعندما يسمح لنفسه، باستخفاف وانتهازية، بمسخ ثلاثمائة مليون أمريكي إلى صهاينة عنصريين من دون أن يخوّلوه ومن دون أن يسألهم رأيهم. وعندما يصدر حكماً ظالماً بوضع عشرة ملايين فلسطيني في سلة مهملاته ويقحم الممانعة للمشروع الصهيوني من قبل مقاومة نبيلة في غزة وجنوب لبنان في خانة الإرهاب الدولي. وعندما تنم حركاته الرمزية الجسدية، ابتساماته وقبلاته الحميمية وتشابك أياديه مع هذا المجرم الصهيوني أو ذاك، عن إعجاب يفوق الحد بمن قتلوا ونهبوا وشردوا الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين.

عندما يفعل قائد سياسي كل هذا، ففي أي تصنيف ينبغي أن تضعه وتضع دولته كافة الأنظمة الرسمية العربية؟ أفي خانة العداوة السافرة لهذه الأمة، أم في خانة مقولة اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية، أم في خانة ممارسة الطقوس الشيطانية الفرحة بعذابات وأحزان وموت الآخرين الأبرياء المسالمين؟

ثم، هل ما قاله وما وعد به وما اختبأ خلف ارتعاشات شفتيه ونظرات عينيه وملامسات يديه وهو يلقي الخطاب تلو الآخر، هل يقع ذلك في خانة ممارسة السياسة المختلف عليها أم يقع في خانة السقوط المذهل للضمير الإنساني وللأخلاق والقيم العليا؟

من حق الشعوب العربية أن تطلب أجوبة عن تلك الأسئلة من الذين استقبلوا والذين سيستقبلون الرئيس الأمريكي بعد أن قال ما قال، وفعل ما فعل، وهذه الأسئلة ليست احتجاجية فقط، بل انها أسئلة تتعلق بالمنطق السياسي الذي تمارسه بعض الأنظمة السياسية العربية. فما هي الأسس التي يحتكم إليها هؤلاء عند تصنيفهم لأعداء الأمة ولأصدقائها، لمحتقري كرامتها وحقوقها وللمختلفين معها في وجهات النظر؟ إذ هل يعقل أن الأمة العربية، من بين كل أمم الدنيا، لا تملك خطوطاً حمراً لا تسمح بأن يتخطاها أحد من العابثين أو الحمقى؟ بصورة أكثر تحديداً، هل قضية الصراع العربي - الصهيوني هي من الخطوط الحمر في حياة العرب، كل العرب، أم أن تلك القضية قد أصبحت هامشية، وان مصير عشرة ملايين من الفلسطينيين العرب، إن كانوا من الرازحين تحت الاحتلال أو كانوا من المشردين في بقاع المعمورة، قد أصبح من المسائل الهامشية؟

إذا كان الرئيس الأمريكي قد انقلب على كل القرارات الدولية بشأن فلسطين، مع ما فيها من جور وظلم، وذهب في نظرته للمسألة الفلسطينية إلى يمين أعتى العرّابين في المافيات الصهيونية، فهل كثير على بعض الأنظمة الرسمية العربية أن تتحفظ في مجاملاتها الغريبة لهذا الرئيس الأحمق؟ ولو كان هذا الرئيس في بداية توليه السلطة لكان بالإمكان تفهم عدم قطع شعرة معاوية معه، إذ سيكون معنى ذلك التدمير الكامل للعلاقات الأساسية العربية - الأمريكية طيلة سنين ولايته. ولكن ما هو المبرر لكل تلك المجاملات، ولذلك الودّ، والرجل سيختفي من على المسرح السياسي الأمريكي بعد سبعة شهور، وحزبه في أدنى القبول في الأوساط الشعبية الأمريكية، والامبراطورية الأمريكية التي حاول هو وجماعته بناءها تتخبط في أزمات مالية واقتصادية وعسكرية بالغة؟

لقد قيل من قبل ان الإنسان يحكم على الآخرين لا من معرفة نوع أعدائهم فقط بل من نوع أصدقائهم أيضاً. فإذا كانت الأغلبية من الأنظمة السياسية العربية قد قررت أن تجعل من الرئيس الأمريكي، الملطخة يده بدماء الأبرياء العرب والمسلمين في العراق وفلسطين ولبنان والسودان والصومال وأفغانستان وغيرهم، صديقاً يستحق المجاملة، فما هي الرسالة التي ترسلها تلك الأنظمة لشعوبها؟ ان الجواب سيكون مفجعاً بحيث سيكون من المحرج حتى محاولة ذكره، ولهذا نتحفظ عن ذكره.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"