أسعار النفط العالمية في النطاق السلبي

01:27 صباحا
قراءة 4 دقائق
كلارا ماركيز *

لا بد من الإشارة إلى أن خام «وايمنج» الحامض الذي يستخدم في عمليات تعبيد الطرق، أول خام هبطت أسعاره إلى اللون الأحمر منتصف مارس عندما بيع بسعر 0.19 دولار للبرميل

من الواضح أن أسواق النفط العالمية في وضع لا تحسد عليه. فقد انخفض الطلب إلى مستويات غير مسبوقة بعد احتجاز حوالي ثلاثة مليارات شخص في بيوتهم، في الوقت الذي يواجه فيه العالم طفرة إمداد تاريخية. في هذه الأثناء، تمتلئ مخازن النفط الخام في العالم بسرعة، بدءاً من الصهاريج تحت الأرضية إلى عربات السكك الحديدية والناقلات في عرض البحر.

هذه المستجدات ستكون لها عواقب على المدى البعيد. فالمنتجون في الولايات المتحدة وأماكن أخرى أجبروا على خفض الإنتاج أو إيقافه. وفي ظل الخفض الهائل في الإنفاق لن تتغير الصورة الحالية ويبقى انتعاش الأسعار رهناً بتعافي اقتصاد العالم.

وقد شهد الطلب على البنزين ووقود الطائرات هبوطاً حاداً في الاقتصادات الكبرى التي تمثل 92% من الناتج الإجمالي العالمي حسب تقرير لبنك «جولدمان ساكس». وعزا البنك السبب إلى قيود العزل الاجتماعي، وقدر حجم الفاقد في الطلب اليومي بنحو 26 مليون برميل، أو ما يعادل ربع الكمية التي كانت تستهلك العام الماضي. وهذا يعادل 800 مليون برميل على مدى شهر. وتشير الأرقام الخاصة باقتصادات إيطاليا وإسبانيا المغلقة إلى أن مستويات الانهيار في الطلب قد تكون أسوأ. فقد انخفض الطلب الإسباني على الديزل بنسبة 61%. ويترجم الانهيار إلى فائض يجهد المصافي وخطوط الأنابيب ويفضح قدرة العالم المحدودة على التعامل مع النفط الخام المتدفق.

وتختلف تقديرات المحللين حول طاقة التخزين العالمية التي ترى شركة «بلاتس» أنها 1.4 مليار برميل بما فيها 400 مليون برميل من الخزانات العائمة. وحتى الآن، تم استخدام 50% منها وقد يرتفع الرقم إلى 90% بحلول نهاية إبريل. ويزيد ذلك من الضغوط الواضحة على أسعار الشحن، بعد أن امتلأت أساطيل من الناقلات الكبيرة جداً، ما يجعل من الصعب استخدامها لتخزين النفط أو حتى نقله إلى المشترين.

وقد ارتفعت تكاليف الرحلة المعيارية من الشرق الأوسط إلى الصين سبع مرات؛ ودفعت شركة «ريلايانس إنداستريز» 400 ألف دولار يومياً أجور ناقلة عملاقة لنقل النفط من الشرق الأوسط إلى الساحل الغربي للهند في الأول من إبريل /نيسان.

وفيما يخص المنتجين في الحقول البرية البعيدة من خطوط الشحن البحري، هناك مخاوف أكبر. إنهم يواجهون نقصاً في طاقة التخزين المحلي، وتطلب شركات خطوط الأنابيب منهم أن يخفضوا إنتاجهم أو يثبتوا أن لديهم المشتري قبل التحميل. ولا يمكنهم نقل النفط إلى المكان المستهدف بالأسعار الحالية، وفي الوقت نفسه، خفضت المصافي طاقتها الإنتاجية لأن خزاناتها ملئت.

كل هذا يعني أن أسعار النفط انتقلت فعلاً إلى النطاق السلبي - فعندما يدفع المنتجون فعلياً للعملاء مقابل الموافقة على أخذ نفطهم - تصبح الأسعار السلبية ليست ممكنة فقط، ولكنها حقيقة واقعة بالفعل. فقد انخفض الخام المعياري سواء لبرميل برنت أو غرب تكساس، بنحو الثلثين هذا العام. صحيح أن الأسعار لن تغطس إلى ما دون الصفر ولن يدفع لك أحد مقابل ملء خزان سيارتك، لكن عندما يبلغ السعر 20 دولاراً للبرميل، يصبح دون تكلفة إنتاجه.

عند الحديث عن أصناف أخرى من الخام بتكاليف تكرير باهظة أو أجور نقل مرتفعة، لا بد من الإشارة إلى أن خام «وايمنج» الحامض الذي يستخدم في عمليات تعبيد الطرق، أول خام هبطت أسعاره إلى اللون الأحمر منتصف مارس عندما بيع بسعر 0.19 دولار للبرميل. وقد يضطر بعض المنتجين الآخرين للبيع بخسارة، كي يحفزوا المشترين لأخذ إنتاجهم. وقد هبط سعر برميل خام «ويست كناديان سيليكت» الصخري إلى حدود 5 دولارات، واتسعت الفجوة بن سعره وسعر خام غرب تكساس.

وتؤكد الإحصاءات اليومية أن العديد من هؤلاء المنتجين خفضوا إنتاجهم بالفعل، أو أنهم توقفوا عن الإنتاج. وأشهرت شركة «وايتنج بتروليوم» الأشهر في حقول الزيت الصخري، إفلاسها الأسبوع الماضي. ومن الواضح أن كل الأطراف بما فيها شركات الاستكشاف والصيانة، تعاني بشكل كبير. ولن يقتصر الأمر على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعلنت روسيا عن أنها لن تزيد إنتاجها في الظروف الراهنة، بينما فشلت الإكوادور في العثور على مشترين.

ماذا يعني ذلك في نهاية المطاف؟ أولاً، يعني نقص الطلب الشديد لن ينفع معه حتى حل الخلاف السعودي الروسي الذي قد يخفف الضغط على أسطول ناقلات النفط العالمية الضخم.

أما انتعاش الأسعار الحقيقي فمرهون بعودة الطلب إلى ما كان عليه. في هذه المرحلة، قد لا يتطلب تحفيز مؤقت للأسعار الكثير من الجهد تبعاً لحجم الكميات المخزنة، أو التي يخبئها التجار في إطار عقود المضاربات. وقد تساعد الجهود الجيوسياسية قليلاً، في حال إجهاد الدول المنتجة للنفط، لكن حتى الآن، يبدو أن الأسعار السلبية موجودة لتبقى.

* بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"