أطفال عباقرة

فنجان قهوة
02:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

من بين الطرائف التي تروى عن جورج برنارد شو أن سيدة تتمتع بجمال يخلب اللب (يقال إنها إليزابيت تايلور)، تقدمت منه في إحدى الحفلات وعرضت عليه الزواج، وفوجئ الكاتب العبقري بالعرض، واستغلت السيدة الفرصة لإغرائه بالموافقة، فقالت: تأمل يا مستر شو كم سيكون ابننا جميلاً وذكياً، إنه سيكون في مثل جمالي، وفي مثل ذكائك فقال شو: وماذا يا سيدتي لو حدث العكس، وجاء طفلنا في مثل ذكائك، وفي مثل جمالي.

وقد تحولت هذه النكتة إلى موضوع لفيلم عربي بعنوان أعظم طفل في العالم تطارد فيه ميرفت أمين أستاذاً جامعياً عبقرياً يؤدي دوره رشدي أباظة لكي تنجب منه طفلاً عبقرياً مثله.

خاطر من النوع الذي راود خيال السيدة التي عرضت على برنارد شو الزواج دار في ذهن عنصري أمريكي يكره الملونين يدعى روبرت كلارك جراهام. هذا الرجل كان يعمل فني قياس النظر، ولكنه ابتكر عدسة من البلاستيك غير قابلة للكسر، واشترت منه إحدى شركات صنع العدسات براءة اختراعه بمائة مليون دولار. وفكر في استثمار المبلغ في شراء جزيرة في المحيط الباسيفيكي أو الهادي، وإعلانها جمهورية مستقلة مغلقة في وجه الملونين، فقد كان يرى أن هؤلاء عبء على الإنسانية، وأنهم سبب كل الكوارث التي تعاني منها الحضارة الحديثة، ولكنه ما لبث أن تراجع، وقرر عام 1980 استثمار جزء من ماله في إنشاء بنك العباقرة للتخصيب يتلقى تبرعات الفائزين بجوائز نوبل، ويقدمها للسيدات اللواتي يرغبن في رفع منسوب العبقرية في العالم، وكان يرى أن هذا البنك هو السبيل الوحيد لولادة أجيال من النابغين الذين ينقذون البشرية من الكوارث التي تتهددها.

وقبل أسابيع صدر كتاب عن تجربة هذا الرجل، من تأليف الكاتب الأمريكي ديفيد بلوتز قال فيه إن بعض العباقرة من أنصار فلسفة اليوجينكس أعجبتهم الفكرة، وتبرعوا للبنك، ومن هؤلاء جوناس سالك، مخترع عقار شلل الأطفال، وجون فوربيس ناش، وهو عالم رياضيات، وويليام شوكلي الذي حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1956 لاختراعه الترانزيستور، ولكنه تحول رغم عبقريته إلى مجال تندر للناس لأنه أمضى العقدين الأخيرين من حياته يتزعم حملة لمنع الفقراء والملونين من الإنجاب، وكان يقول إن الجينات الوراثية الخاصة بهؤلاء أقل تطوراً من جينات الأثرياء ذوي البشرة البيضاء.

ويروي ديفيد بلوتز في كتابه تجربة 200 امرأة أجريت لهن عمليات تخصيب من سوائل موجودة في بنك العباقرة الذي أنشأه روبرت جراهام، ولدى متابعة هؤلاء خلال ما يقرب من ربع قرن، تبين أنهن أنجبن أطفالا عاديين لا يلفت ذكاؤهم النظر، بإستثناء طفل واحد هو دورون بليك. فقد كان معدل ذكائه 180 أي ضعف معدل ذكاء معظم الرؤساء الأمريكيين، وفي السنة الثانية من عمره كان يعرف كيف يستخدم الكمبيوتر، وفي الخامسة قرأ مسرحية هاملت لشكسبير واستوعبها تماماً، ولكن ذلك لم يستمر، فقد توقف عن الدراسة قبل إكمال المرحلة الثانوية، وقابله مؤلف الكتاب ديفيد بلوتز ووصفه بقوله: منظره يشبه منظر أبناء الزهور من الهيبيين

وتجربة إنتاج أطفال عباقرة فشلت تماما، بعد ما يزيد على ربع قرن من بدئها، ولذلك تخلى البنك عن الحاصلين على جائزة نوبل وبات يقبل التبرعات من أي شخص، حتى لو كان من خريجي السجون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"