أهمية النقل كالاتصالات في تغيير معالم الاقتصادات

01:43 صباحا
قراءة 4 دقائق
تطور قطاع النقل سمح بتوسيع الأسواق أمام كل الشركات وضاعف المنافسة وضرب الأسعار ولم تعد أي شركة تستطيع إساءة معاملة أي مستهلك لأن الخيارات أمامه أصبحت كبيرة والسلع كلها متوافرة .
قطاع النقل مهم كالاتصالات من ناحية تأثيره على النمو والتنمية والتجارة كما على تغير معالم وخصائص الاقتصادات، إن لم يكن أهم منه. نقل قطاع الاتصالات الصوت والصورة، بينما نقل قطاع النقل الإنسان نفسه والسلع بكافة أنواعها. لا شك في أن القطاعين هما في خدمة الإنسان والمجتمعات. سمحت الاتفاقيات التجارية المتنوعة عبر «الغات» ومن ثم عبر منظمة التجارة العالمية للسلع والخدمات بأن تنتقل بسهولة عبر الدول. بعد الحرب العالمية الثانية، كانت تكلفة النقل مرتفعة حتى لم يكن ممكناً على الشركة حتى الكبيرة تسويق منتجاتها دولياً. اتفاقيات التجارة ضربت الحواجز ووسعت الاقتصادات، وهذا لم يكن ليحدث لولا تطور تكنولوجيا النقل المتنوع. المهم ليس فقط النقل، بينما النقل بنوعية وسلامة وسرعة وفعالية.

في الإحصاءات، تبين أن تكلفة نقل السلع البرية من أماكن الإنتاج إلى المرافئ وثم نقلها من المرافئ إلى المشترين هي الأعلى مقارنة بالتكلفات الأخرى كالنقل البحري خصوصاً. لذا أتت الحاويات لتخفف هذه التكلفة كثيراً وتجعل النقل أسهل وأقل تكلفة من السابق. فالحاويات ربطت وسائل النقل وسمحت بتوضيب السلع مرة واحدة عند المغادرة وبفتح الصندوق عند التسليم. تغير محتوى الحاويات مع تغير المجتمعات، وبالتالي تعكس الحاويات التغيرات المادية والثقافية الموجودة عالمياً. إيجاد الحاويات لم يكن سهلاً وتم على مراحل عدة، وككل شيء يتبين اليوم أنه سهل ومنطقي، بينما نفذت الفكرة على مدى سنوات من العمل والتطوير والجهد المستمرين. قامت الشركات ببناء البواخر الضخمة التي تحمل عدداً كبيراً من الحاويات عبر البحور والمحيطات مما خفض التكلفة أكثر وبسرعة ووفر الوقت على الجميع. سمح هذا الواقع بإنتاج مكونات السلع في أمكنة متعددة وتجميعها فيما بعد في مكان أو أمكنة متعددة أيضاً.
سمح تطور قطاع النقل بتوسيع الأسواق أمام كل الشركات أي ضاعف المنافسة وضرب الأسعار. لم تعد الشركة أي شركة تفرض أسعاراً مرتفعة على المستهلك، لأنها الوحيدة في السوق أو لأن تكلفتها مرتفعة. لم تعد تستطيع أي شركة إساءة معاملة أي مستهلك لأن الخيارات أمامه أصبحت كبيرة والسلع كلها متوافرة من أي مكان عبر وسائل النقل المختلفة. فالنقل سمح للسلع من أي مكان أن تأتي إلى أي مكان، فتنافس السلع المتوافرة وتفرض تدني الأسعار لمصلحة المستهلك. فالنقل قرب المستهلك من المنتج أينما كانا، فلم تعد المسافة مهمة بل أصبحت النوعية هي الأهم. في الولايات المتحدة بين سنتي 1972 و 2002، تم استيراد عدد أكبر من السلع وأنواع أكثر بكثير بسبب تغير الأذواق وتطور النقل مما سمح للمستهلك بالحصول على السلع التي يريد من أي بلد بسرعة ونوعية وأسعار يستطيع تحملها. تطور النقل رفع رفاهية المجتمعات ونوعية الحياة وجعل المواطن يشعر بالانتماء إلى العالم كانتمائه إلى الدولة وهذا لم يحصل قبلا. انخفضت تكلفة النقل حتى أصبحت عملياً لا تؤثر في قرارات الإنتاج والتسويق بل تسهل حصولها وتعجل في التنفيذ. في سنة 1961، أي قبل عولمة النقل، كانت تكلفة النقل البحري في الولايات المتحدة تشكل 12% من قيمة الصادرات و 10% من قيمة الواردات أي أعلى من التعريفات الجمركية البالغة فقط 7% من قيمة الواردات في ذلك الوقت.
تطور النقل كما الحاويات تحديداً ضاعف المخاطر الأمنية خاصة في هذه الأوقات المضطربة. في سنة 2007، أقر مجلس الشيوخ الأمريكي قانوناً يفرض على المسؤولين الأمنيين والجمارك التأكد من محتوى الحاويات القادمة. لا ننكر أن قطاع الحاويات تطور مع الحروب أي سمح بنقل الأمتعة والأسلحة والمعدات وغيرها إلى الجيش الأمريكي الموجود سابقاً في فيتنام وآسيا عموماً. كالأنترنت، تطور قطاع النقل في الجيوش وبسببها وبالتالي يستفيد الاقتصاد العام من البحوث التي تقوم بها بعض جيوش العالم. هنالك خوف من أن تنقل هذه الحاويات السلع الهادفة إلى تنفيذ العمليات الإرهابية، وبالتالي يجري التدقيق في المحتويات قدر الإمكان علماً أن هنالك استحالة لمعرفة ماذا تحتوي ملايين الحاويات الكبيرة المنتقلة يومياً بين الدول.
أخيراً، هل استفاد العمال من العولمة المبنية على تطور النقل؟ هل هنالك مبرر للنقمة الشعبية والعمالية على نتائج العولمة مما سمح بفوز رونالد ترامب وخروج بريطانيا من الوحدة الأوروبية وغيرها من الاستفتاءات والانتخابات القادمة؟
أولا: لا شك في أن تطور قطاع النقل مع الوقت سمح بزيادة الفعالية وبالتالي بالاستغناء عن عدد كبير من العمالة المتواجدة في المرافئ والمرافق والمطارات وغيرها لهدف خدمات النقل. تطور تقنيات النقل أحدث نقمة عمالية لمدن كانت تعتاش من النقل فأصبحت تحتاج إلى مصادر عيش مختلفة وصعبة. كانت العائلات وليس الأفراد فقط تعمل في القطاع.
ثانياً: حتى العديد من الوظائف في قطاع النقل تغير وأصبح يتطلب كفاءات علمية مختلفة وليس زنوداً وعضلات فقط. فطالب التوظيف في إدارة شركات النقل يجب أن يتعلم الاقتصاد والإدارة والتقنيات الحديثة، وبالتالي يتنافس قطاع النقل مع القطاعات الأخرى بما فيها المصارف والتأمين والاتصالات في جذب الكفاءات.
ثالثاً: العمل في النقل مرتبط أكثر من غيره بتطور الاقتصاد الدولي، مما يسبب الكثير من القلق للعاملين فيه وبالتالي يدفعهم أحياناً للتصرف بعنف وغضب كما يحصل في قطاع الطيران بالرغم من الأجور المرتفعة نسبياً. فالعديد من الثورات بدأت من مرافق النقل؛ حيث تتكتل المطالب ويتضاعف الغضب الشعبي الذي يمتد إلى الاقتصاد ككل ويغير الكثير.

د. لويس حبيقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"