أين الجديد في مؤتمر فتح؟

02:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
اجتذب مؤتمر حركة فتح، الذي انعقد ابتداءً من 29 نوفمبر/تشرين الثاني اهتمام الكثيرين؛ لأسباب عديدة: أولها أن هذا المؤتمر وهو السابع للحركة، يعقد بعد مضي سبع سنوات على المؤتمر السابق، ولم تنجح محاولات سابقة في عقد المؤتمر. والسبب الثاني، للاهتمام بأن القضية الفلسطينية خسرت الكثير من وهجها، وتراجعت مكانتها الإقليمية والدولية منذ زهاء عشر سنوات، وعقب رحيل القائد التاريخي لفتح وللحركة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات.
المعنيون والمتابعون سيبحثون ما إذا كان انعقاد المؤتمر سيشكل نقلة في الأداء السياسي للسلطة وعمودها حركة فتح، وهل سيعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، أم سيقتصر الحدث على كونه مناسبة داخلية تخص الحياة السياسية الفلسطينية، وشأناً تنظيمياً بحتاً لحركة فتح. أما السبب الثالث للاهتمام الذي حظي به هذا المؤتمر الذي انعقد في رام الله، فهو حال الانقسام الذي يعيشه الجسم السياسي الفلسطيني على مستوى ثنائية السلطة بين قطاع غزة ورام الله المركز، وعلى مستوى الصراع داخل فتح بين اللجنة المركزية وأحد الأجنحة لم يكن من المبالغة ما تردد عن أن أحد الأهداف الرئيسية لانعقاد المؤتمر العام للحركة، هو تكريس قيادة الرئيس محمود عباس، وإظهار التفاف الحركة حول قيادته، وهو ما حدث في اليوم الأول لانعقاد المؤتمر؛ حيث توّج عباس (81 عاماً) رئيساً للحركة بالمبايعة، وبغير منافسة من أحد داخل المؤتمر. وقد لوحظ أن رئيس «حركة حماس» خالد مشغل قد أبرق مهنئاً بانعقاد مؤتمر فتح، وفي بادرة هي الأولى من نوعها، وكانت سكرتارية المؤتمر قد وجهت دعوة لكل من حركتي «حماس» والجهاد الإسلامي للمشاركة في افتتاح المؤتمر، وقد استجابت الحركتان، وفي تطور على درجة من الأهمية، وهو أيضاً الأول من نوعه، رغم اقتصاره على الجانب الرمزي.
على الأغلب فإن الجديد في المؤتمر (الذي كان ما زال منعقداً ساعة إعداد هذا المقال) هو التجديد المتوقع على اللجنة المركزية أعلى هيئات الحركة والتي تضم 18 عضواً منتخباً، وأربعة أعضاء يتم تعيينهم من قبل رئيس الحركة. ومن المعلوم أن الحركة تفتقر إلى وجوه شابة، ويمنع «الحرس القديم» وصول قيادات شابة إلى قيادة الحركة. أما التجديد الذي يستحق أن يوصف بأنه تجديد سياسي، فما زال مستبعداً. وليس أدل على ذلك من فحوى الخطاب المطول الذي ألقاه الرئيس محمود عباس، والذي عاود فيه التمسك بالثوابت الوطنية ورفض الاستيطان وضرورة إزالته، والتمسك بالقدس الشرقية عاصمة سياسية للكيان الوطني على الأراضي التي احتلت في يونيو حزيران 1967، ورفض الحلول الانتقالية، أو المرحلية والمجتزأة والدولة ذات الحدود المؤقتة، مع دعم عقد المؤتمر الدولي للسلام وفقاً للمبادرة الفرنسية، مع عدم التخلي عن التفاوض وخيار التسوية.
واللافت للاهتمام في خطاب عباس، كما في مجمل سياسته وأدائه، هو تشبثه بالصمود السلبي، الصمود المبدئي على مواقف عامة وأساسية، وهو أمر بالغ الأهمية بطبيعة الحال، غير أن هذا الصمود والذي انعكس إيجاباً على المواقف الفلسطينية في المسار التفاوضي، لم يقترن بإطلاق الطاقات الوطنية الحبيسة في مواجهة الاحتلال. إذ تتحفظ السلطة بقيادة عباس على أي تحرك جماهيري مدني ضد الاحتلال، ولا تشارك فيه من قريب أو بعيد إلا بمبادرات شخصية من هذا المسؤول أو ذاك. وقد شهد عام 2016 بوادر هبّة وطنية في الداخل، قوبلت بالقمع الشديد من طرف الاحتلال، بما في ذلك إطلاق النيران الحية على المنتفضين، كما قوبلت هذه الهبّة بتحفظ واضح من طرف السلطة التي لا ترى في هذه التحركات، سوى نشاط قابل للتحول إلى فوضى. وبهذا فإن المستوى السياسي من الكفاح الوطني يتم اختزاله في التحركات الدبلوماسية وإلقاء الخطابات على المنابر،مع إسقاط المشاركة الجماهيرية من الحساب.
والمفارقة أن العدو بكل ما يمتلكه من ترسانة أسلحة ومن إحكام سيطرته على الأرض، فإنه لا يقيّد الحركة الجماهيرية الصهيونية، ولا يمنع التجمعات والمسيرات،التي يقوم بها الأكثر تطرفاً في معظم الحالات، بينما يجري تقييد تحركات الرازحين تحت الاحتلال بذرائع شتى، من أهمها: عدم منح ذريعة لقوات الاحتلال لممارسة بطشها! وهو منطق يؤدي إلى التخلي العملي عن كل وسيلة سلمية ومشروعة لمناهضة المحتلين، ويغدو نشدان السلامة والحالة هذه هو هدف الأهداف، وغاية الأرب!.
يضاف إلى ذلك الحملة التي توقفت إزاء بريطانيا بخصوص وعد بلفور، ودعوة لندن للاعتذار عن الخطيئة التي وقعت وتسببت في كارثة لشعب فلسطين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"