أين المؤسسات الإقليمية والدولية؟

01:59 صباحا
قراءة 3 دقائق

نشر مؤسسة ويكيليكس لوثائق الإدانة الحقوقية والأخلاقية للاحتلال الأمريكي وتابعيه من قوى خارجية ودولية للعراق أظهر مجموعة من الظواهر السياسية اللافتة للنظر . سنضع جانباً الرد الهستيري الأمريكي ورفعه لشعارات انتهازية من مثل تهديد عملية النشر للأمن القومي أو فتحها المجال لأعداء أمريكا أو أنها وثائق قديمة فات أوان أهميتها في الواقع العراقي . . . إلخ من التلاعب الأمريكي المشهور بالكلمات والتعابير الإعلانية المموهة . سنضع جانباً أيضاً رد الفعل الرسمي العراقي المضحك من اعتبار نشر الوثائق محاولة لعرقلة مسار تكوين الحكومة العراقية المتعثر منذ ثمانية شهور، ومن أن الإشارة إلى الأيادي الملطخة بدماء وعذابات الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ وشباب العراق مقصود بها منع هذا أو ذاك من تبوؤ هذا المركز أو ذاك المقام .

دعنا من ذلك، ولنركز على ظاهرتين لافتتين ومفجعتين في آن واحد، الظاهرة الأولى تتعلق بهيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها، ذلك أن اجتياح العراق البربري والأكاذيب التبريرية الشيطانية التي هيأت لذلك الاجتياح قد تمت مباركتها بألف صورة وصورة في أروقة وقاعات المنظمة الدولية، إن هذا يعني أن هيئة الأمم المتحدة هي معنوياً وأخلاقياً، إن لم يكن قانونياً، مسؤولة عما أصاب المدنيين العراقيين العزل الأبرياء من موت وتشويه واعتقال وتعذيب سواء على يد الأمريكيين وحلفائهم أم على يد بعض القوى المحلية الأمنية أو الطائفية .

أن تنشر كل تلك الوثائق الدامغة ولا يصدر عن المنظمة الدولية إلا صوت ضعيف يتوسل الرئيس الأمريكي بأن يبادر إلى تكوين جهة أمريكية أو دولية (لاحظ ترك الخيار لأريحيته) للتحقيق في صدق ما نشر، وذلك بالرغم من أن البنتاغون قد قالها قبل يوم بصلف وقلة اكتراث إنه لن يفتح باب التحقيق في جرائم جنوده أو غيرهم، فإن ذلك دليل على تخلي هذه المنظمة الدولية عن مسؤولياتها أو أنه دليل على ما أصاب هذه المنظمة من عجز وقلة فاعلية أمام الجبروت الأمريكي وهيمنته على مؤسسات المنظمة السياسية والحقوقية، إذ يحق لنا أن نسأل: أليس من واجب المنظمة أن تطالب مجلس الأمن باتخاذ خطوات لفتح تحقيق دولي وربط نتائج ذلك التحقيق بتكوين محكمة دولية لمحاكمة من يثبت تورطهم في عمليات الإبادة التي طالت شعب العراق المظلوم؟ هل ألوف العراقيين المدنيين الأبرياء الذين ماتوا على نقاط التفتيش الأمريكية أو دفنوا تحت أنقاض المباني التي دمرتها المروحيات الأمريكية، أو العراقيين الذين عذبوا وأهينت كرامتهم الإنسانية في سجون العراق تحت بصر وسمع المسؤولين الأمريكيين المتواطئين الصامتين، هل هؤلاء والملايين من نساء العراق الأرامل أو من عائلات العراق الهائمة على وجوهها في ديار الهجرة لا يستحقون النظر في عذاباتهم أو إراحة أرواح موتاهم؟

لكن هيئة الأمم لديها المال والوقت والصبر لإقامة محكمة دولية للتحقيق في جرائم ارتكبت بحق بضعة أفراد في لبنان الشقيق، عندما تقتضي الألاعيب السياسية الدولية ذلك، وعندما يكون رأس سوريا أو رأس المقاومة اللبنانية هو المطلوب . أما رؤوس مجرمي الحرب في المذبحة العراقية فيترك أمرهم لكرم الرئيس الأمريكي المحبوس في قفص الثالوث العسكري - الإعلامي - الصناعي الأمريكي الشهير ولما تسمح به التجاذبات والتوازنات في الكونغرس الأمريكي .

أما الظاهرة الثانية فتتعلق بالجامعة العربية والمنظمة الإسلامية . أليس شعب العراق شعباً عربياً مسلماً يستحق أن نسمع رد فعل من المؤسستين على وثائق تفضح انتهاكات حقوقه الإنسانية والسياسية؟ أم أن التوازنات والمجاملات في المؤسستين تجعلهما مفرغتين من القدرة والفعل؟ هل حقاً أن رد فعلهما سيكون تدخلاً في الشأن العراقي الداخلي؟

أليس من حق شعب العراق المنهك المتعب، المغلوب على أمره، الممزق طائفياً ومناطقياً، أن تنظر المؤسستان في دراسة الوثائق والخروج بتوصيات قومية وإسلامية تحرك العشرات من الدول العربية والإسلامية في الجمعية العمومية ومجلس الأمن والوكالات المختلفة؟ هل المؤسستان هما لخدمة الحكومات فقط أم أنهما لخدمة الشعوب، خصوصاً عندما لا تفعل الحكومات شيئاً أو عندما تكون الحكومات في حالة اللاوزن وتحت قبضة القوى الاستعمارية المحتلة؟

ما عاد الإنسان يفهم المواقف القومية والإسلامية المتفرجة المذعورة المشلولة، وما عاد يهضم بلادات المؤسسات الدولية وسقوطها المذهل أمام الدول الكبرى، والسؤال: لماذا الإبقاء على المؤسسات المشتركة إذا كانت ليست أكثر من سكرتارية اجتماعات وخطابات وتخدير لضمائر الدول والشعوب والبشر؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"