"إسرائيل" عدو الجميع فعلى ماذا التفاوض؟

01:59 صباحا
قراءة 4 دقائق
الخريطة الواقعية للشعب الفلسطيني اصبحت تفرض علينا الاعتراف بالتقسيمات التالية:1 فلسطينيو ،1948 الذين فضلوا التشبث بأرضهم، حتى ولو كان الثمن، حمل الهوية الإسرائيلية والخضوع المباشر لحكم إسرائيل وسلطتها.2 عرب قطاع غزة الذين يعيشون تحت سلطة حركة حماس.3 عرب الضفة الغربية، الذين يعيشون في كنف السلطة الفلسطينية.4 عرب القدس الذين يعيشون في ما تبقى من أحياء القدس الشرقية تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ أربعين عاماً، ويجبرون على حمل بطاقات زرقاء تميزهم عن عرب 48 وعرب 67.5 فلسطينيو الشتات العربي، القريب من فلسطين والبعيد عنها، في شتى أرجاء الوطن العربي بين المحيط والخليج.ما يهمنا في سطور هذا المقال، الموقف الإسرائيلي الفعلي من كل هذه التقسيمات للشعب الفلسطيني، كل على حدة، سواء في ذلك الموقف الراهن، أو منذ العام 1948 أو منذ العام 1967.فلسطينيو الفئة الاولى، أي عرب ،1948 تراوحت أوضاعهم بين مراحل شتى، حملت كلها عنوان التمييز العنصري، لكن الحديث بدأ يختمر الآن داخل إسرائيل عن ضرورة ترحيلهم خارج حدود دولة إسرائيل الرسمية، عند أي منعطف جديد في الصراع.فلسطينيو قطاع غزة، خاصة اذا بقيت السلطة هناك لحماس، مصنفون على أنهم مليون ونصف المليون من الإرهابيين الذين يجب تطبيق خطة صارمة ضدهم، تبدأ من الحصار التمويني، وحصار المواد الأساسية للحياة، وتتصاعد لعمليات الاغتيال المنظم، اليومي، الجماعي والفردي، العسكري والمدني، ثم إلى التحكم بسمائهم وبحرهم وبرهم، وحدودهم حتى مع مصر الشقيقة العربية الكبرى، وصولاً إلى منع وصول أي نوع من سلاح المقاومة إلى أيديهم، حتى لو كان مجرد ذخيرة. ولو كان في قدرة إسرائيل الفعلية إبادتهم بالكامل والخلاص من عبئهم، لما منعها عن ذلك شيء. وهي أصلاً تمارس عليهم إضافة إلى كل ما سلف بغرض فرض الموت البطيء على كل من يصاب بداء يتطلب العلاج في الخارج، لأنها بكل بساطة حولت قطاع غزة إلى موقع جغرافي لا خارج له.عرب الضفة الغربية، مع انهم محكومون عملياً بالسلطة الفلسطينية التي تحوز الرضى السياسي التام لإسرائيل، لدرجة اعتبارها شريكاً معقولاً للتفاوض، فإنهم مهددون مع ذلك يومياً، ومنذ أن وقعت أرضهم تحت الاحتلال قبل أربعين عاماً، لقضم أرضهم شبراً فشبراً، مع إقامة جدار الفصل العنصري وتمديده، وهو يؤدي مهمة الفصل بين ما أمكن من قرى الضفة الغربية، وأراضيها الزراعية، أي حرمان سكان الريف من لقمة عيشهم. ومع كل مؤشرات الرضى السياسي الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية الحالية وجميع ممثليها (وإن كان لديها مسؤولون مفضلون كرئيس الوزراء مثلاً)، فإن ذلك لم يمنعها، وبعد اجتماع أنابولس التفاوضي بالذات، من اطلاق مشاريع التوسع بآلاف المنازل الجديدة في مستعمرتي هارحوماه (أبو غنيم) ومعاليه ادوميم.أما عرب القدس، فهم يتعرضون منذ سنوات لعمليات ترحيل بطيئة، ولكن منظمة ومضمونة النتائج. فقوانين إقامة عنصرية تحاصرهم وتطبق عليهم، لتنقص من أعدادهم في كل يوم، بحيث يستحيل على من يغادر القدس من العرب، ولو لأشهر أو أسابيع، العودة اليها. اضافة إلى ذلك، فإن عمليات هدم البيوت بحجة انها غير مرخصة، والاستيلاء عليها لإنشاء أو لتوسيع الأحياء اليهودية في القدس الشرقية، سائرة على قدم وساق، حتى تصبح القدس العربية، التي يفترض أنها العاصمة المرجوة للدولة الفلسطينية المرجوة، خالية تماما من سكانها العرب، عندما تسمح إسرائيل بولوج باب مفاوضات الحل النهائي.اما فلسطينيو الشتات العربي والعالمي، فإن السلطة الإسرائيلية، والمجتمع الإسرائيلي، حتى ببعض المعتدلين منه، يعتبر خيانة وطنية في إسرائيل، القبول بحق العودة لفلسطينيي الشتات. وقد كان بند إلغاء حق العودة عنواناً بارزاً، في وثيقة جنيف التي شارك فيها أكثر الإسرائيليين اعتدالاً.أكثر من ذلك، فإن الشريحة القليلة من المسؤولين الفلسطينيين الذين تبدو إسرائيل راضية عنهم، فإنها تحصل على هذا الرضى في مقابل عملية إذلال دائمة في تنقلاتهم وحركتهم، حتى لو كانت منزوعة الأسنان والاظافر، إضافة إلى المقالات الصحافية الإسرائيلية التي تتغنى بضعف رأس السلطة الفلسطينية، أبي مازن، ليل نهار.إسرائيل إذن، وفي هذه اللحظة بالذات (وليس تاريخياً فقط)، تمارس عداء كاملاً ومطلقاً وحقيقياً لكل شرائح الشعب الفلسطيني، المعتدل منها والمتشدد، المقاوم والمسالم، المقاطع والمفاوض وحتى المطبّع، وحامل هوية الدولة الإسرائيلية.ثم إن إسرائيل ترفض (ومنذ إنشائها) أي بحث جدي، في أي مفاوضات جدية لحل نهائي جدي لقضية فلسطين. وها هي الآن بالذات، وقد انطلق العرب كلهم نحوها قابلين سلفاً بأي شيء تقبل به، ترفض الدخول معهم في أي التزام بموعد لمفاوضات الحل النهائي، أو ببرنامج واضح الملامح، وغير مراوغ، لمفاوضات الحل النهائي. حتى رغبة أمريكا بجعل العام 2008 أفقاً للدخول في مفاوضات الحل النهائي، كانت مرفوضة رفضاً إسرائيلياً باتاً.التركيز الإسرائيلي الآن على بند واحد هو ضرب المقاومة بل سحقها نهائياً في بؤرتها الأخيرة (كما تعتقد)، في قطاع غزة.صحيح ان إسرائيل ما زالت بعيدة عن تحقيق المراحل النهائية في هذا الهدف الاستراتيجي، لكن لنعترف جميعاً، أنها نجحت في إقناع السلطة الفلسطينية نفسها بأن ما يجري في غزة هو إرهاب يجب القضاء عليه ( كما جاء على لسان رئيس السلطة نفسه). وها هي المفاوضات الاسرائيلية المصرية تتحدث عن إرهاب في غزة لا بد من تخفيف ينابيع سلاحه وذخيرته.فعلى ماذا إذن تتفاوض السلطة الفلسطينية؟ وباتجاه أي أفق تأمل هذه السلطة المسير والوصول، في لقاءات أسبوعية متكررة؟وهل يعتقد أرباب السلطة (التي لا تمارس سلطة على أي شيء بوجود الاحتلال الإسرائيلي في كل بقعة من أرض فلسطين التاريخية) إنهم اذا ساعدوا إسرائيل على ضرب وتصفية الإرهاب الفلسطيني في غزة، ستتدفق عليهم خيرات الحل النهائي الإسرائيلي، فتزال المستوطنات، كبراها وصغراها، ويهدم الجدار الفاصل بكامله، وتلغى كل عمليات تهويد القدس الشرقية، لتعود عربية خالصة، عاصمة لدولة فلسطين الملتحمة الأوصال بين قطاع غزة والضفة الغربية، وتلغي إسرائيل اعتراضها على ممارسة فلسطينيي الشتات حق العودة؟وإن لم تكن المفاوضات لانتزاع هذا الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، فعلى ماذا يفاوضون؟ واستناداً لأي أوراق قوة في ميدان الصراع خارج قاعات التفاوض؟
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"