إشكاليات التخلص من العملات

01:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي *

دائماً ما كانت التطورات في مجال تكنولوجيا المدفوعات تسفر عن وسائط جديدة للمدفوعات ونظرية نقدية جديدة، ووصلت التكنولوجيا إلى مرحلة يمكن فيها التخلي الآن عن معظم الوسائط المادية تقريباً في المجتمعات المتصلة بشبكات لاسلكية. ويسوق بعض الاقتصاديين العديد من الحجج التي تؤيد ضرورة التخلص من العملة النقدية الورقية لأن أضرارها الاجتماعية تفوق فوائدها بكثير.
وتنطلق من تدعيم الإصلاح الاقتصاد الكلي والمصادرة الضخمة المحتملة للنقود غير المشروعة. ولكن يطرح البعض تساؤلات عن الاستخدام الإيجابي الاجتماعي للنقود غير الرسمية، وهناك علاقة بين حجم القطاع غير الرسمي واستمرار التعامل النقدي، وهي علاقة تبادلية، إذ إن انتشار التعامل النقدي والإحجام عن استخدام الوسائل المصرفية والإلكترونية للتحصيل والسداد يؤدي إلى ترسيخ النشاط الاقتصادي غير الرسمي. كما أن اتساع القطاع غير الرسمي، يدفع بدوره إلى استمرار الاعتماد على المدفوعات النقدية بعيداً عن نظر رقابة الدولة وأجهزتها المختلفة.
كما أن الدعوة إلى التخلص من العملة النقدية تتجاهل أساساً منطقياً حاسماً لفئات النقود الكبيرة؛ فالعملات والأدوات المالية ذات القوة الكبيرة تؤدي دوراً مزدوجاً، فهي أدوات أساسية للسياسات الاقتصادية والمالية وقنوات للقوة الجغرافية السياسية، وهناك توتر بين هذين الدورين، فالحفاظ على اليورو بتكلفة اقتصادية كبيرة ليس له معنى كبير خارج المجال الجغرافي السياسي. وتلحق منظومة الدولار، بما فيها سياسات العملات الورقية الضرر بنفسها اقتصادياً بالتركيز بشكل أكبر من أي وقت مضى على الأهداف الجغرافية السياسية. وقد أوقفت الولايات المتحدة إصدار عملات من فئات أكبر من مئة دولار في عام 1969 في محاولة لوقف استخدامها غير المشروع.
ولكن يبدو أن مقاومة غسل الأموال هي الدافع الرئيسي لأصحاب الدعوة إلى مقاومة العملات الورقية، والتجربة الأحدث هو قيام الحكومة الهندية في أواخر العام الماضي، بإلغاء مفاجئ لأكبر ورقتين نقديتين وهما فئة الخمسمئة روبية وفئة الألف روبية. والذي كان يهدف إلى استهداف المزورين وحشود الهنود من أصحاب الثروات غير المعلنة، والتي يطلق عليها الأموال السوداء. وهي التي لا تدخل حسابات الاقتصاد الرسمي لتفادي دفع ضرائب عليها منذ بداية تحصيلها. وقد ذكرت وزارة المالية الهندية أن نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي في الهند يأتي من اقتصاد الظل، بينما يسدد عدد قليل من الهنود ضريبة الدخل.
ولأن طبع نقود جديدة لتحل محل النقود القديمة التي تم إبطالها يستغرق وقتاً طويلاً، حاولت الحكومة تشجيع الناس على البدء في عملية التعامل المصرفي الإلكتروني واستخدام بطاقات الصراف الآلي. وقد ثارت تساؤلات وشكوك بشأن ما إذا كان هذا الإجراء قد ضرب فعلاً اقتصاد «الأموال السوداء» الذي تتركز فيه غالبية الثروة، إما خارج البلاد، وإما في قطاع العقارات والذهب داخل الهند. كما أن القرار تسبب في متاعب كثيرة لمئات الملايين من سكان البلاد، لأن الإجراء أخرج 86 في المئة من العملة من التداول، ما أدى إلى نقص شديد في السيولة النقدية داخل البلاد. كما أنه في المناطق الريفية هناك نسبة كبيرة من الأمية، ولا تجري التعاملات إلّا نقداً، لأن البنية التحتية للبنوك إمّا أنها غير متوافرة، وإمّا أنها ضعيفة للغاية. وبصفة عامة هناك عوائق في الدول النامية لتحويل الاقتصاد إلى اقتصاد غير نقدي.
وأهم هذه العوامل، قلة عدد الحسابات لدى البنوك، وهناك قطاع غير رسمى ضخم علاوة على تحديات البنية التحتية والفساد والتهرب الضريبى، إضافة إلى عوامل ثقافية.
ويطرح البعض بديل زيادة أحجام فئات النقود الكبيرة من دون «القفز من خلال الطوق المشتعل» الذي يمثله التخلص منها، ويسوقون مثالاً على أنه قبل عام 1929 كانت عملة الولايات المتحدة أكبر حجماً، مما هي عليه الآن بنسبة 40% ومن شأن إعادة هذا الحجم أو حتى حجم أكبر أن يحقق الأهداف المرجوة.

* باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"