إعادة بناء الجزائر

04:37 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

بعد إعلان المجلس الدستوري استحالة إجراء انتخابات الرابع من يوليو/تموز الرئاسية، والتمديد للرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح إلى حين انتخاب رئيس جديد، تقف الجزائر على عتبة مرحلة جديدة، تتسم بالغموض؛ بسبب اشتداد التجاذبات، وعدم إدراك النخب السياسية الطريقة المثلى للتعامل مع الوضع الراهن، الذي نجم عن تنحي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
لا شك في أن الجزائر، بمختلف أطياف شعبها ومؤسساتها، واثقة من تجاوز هذه المرحلة بهدوء وأمن؛ ولذلك لا يمكن التخوف من تداعيات قرار إرجاء الانتخابات الرئاسية، فقد يمنح هذا التأجيل الوقت لبعض القوى السياسية؛ كي ترتب صفوفها، وتصوغ رؤيتها، وتنخرط في معركة ديمقراطية فعلية إلى جانب الجبهات والأحزاب؛ للاحتكام إلى الشعب ليقول كلمته الفصل. ومن الممكن القول إن الجزائر قد تجنبت سيناريو الفوضى الذي يتخوف منه الجميع؛ عندما تم إلغاء الانتخابات التي تقدم لها مرشحان مغموران. ويبدو أن القرار جاء بضغط من الحراك الشعبي المحافظ على سلميته، وكذلك من قرار المؤسسة العسكرية، الحريصة على مواكبة حركة التغيير والمحافظة على مكتسبات الدولة.
وعندما يحذر الجيش، على لسان قائده الفريق أحمد قايد صالح، من أن هناك تهديدات ومخططات تحيكها جهات خارجية بالتواطؤ مع أطراف داخلية، فهو يعني ما يقول؛ لأن هناك فعلاً من يضمر الشر للجزائر، وكل ذلك يترجم هذا الحس العالي من المحافظة على السلمية والوئام والاستقلالية عن أي تدخل أجنبي مهما كان مأتاه. ومن أجل عبور هذه المرحلة، يتم تغليب الذكاء والمنطق على المزايدات السياسية والأيديولوجية. وفي هذه المسألة يوجد تحالف غير معلن بين الحراك الشعبي والمؤسسة العسكرية؛ ولذلك هناك من يريد أن يضرب هذا «التحالف» ويفك عراه بما يسمح للفتنة أن تتسرب. ومن حسن حظ الجزائر أن هذا لم يحصل، ولن يحصل على الأرجح، ومع ذلك يتوجب الحذر والانتباه، فالقادم يتطلب الكثير من الصبر وضبط النفس إلى أن يتم التوافق على معادلات سياسية جديدة.
هناك من يرى في تأجيل الانتخابات الرئاسية نصراً للشارع الجزائري المتحرك؛ لكنه بالمقابل يضع الطبقة السياسية أمام امتحان صعب، في ظل عدم قدرتها على التعبئة. وهذه المشكلة تواجه خصوصاً الأحزاب العتيقة؛ مثل: حزب «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديمقراطي»؛ بسبب ارتباط بعض رموزها العملي والتاريخي بنظام بوتفليقة وما قبله. وبينما لا يوجد شيء يهدد وجود «جبهة التحرير»، باعتبارها القوة السياسية التي أخرجت البلاد من الاستعمار إلى الاستقلال، إلا أنها، إذا أرادت البقاء فعلاً في العقود المقبلة، لا بد من أن تعيد بناء نفسها، وأن تكون مثالاً للنزاهة والشفافية والقدوة في مكافحة الفساد والذود عن المكاسب الوطنية، وأكثر من ذلك، فضاء حقيقياً للديمقراطية يمكنه إعادة بناء الجزائر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"