اختلاف الحضارات سبيل لتحالفها

04:16 صباحا
قراءة دقيقتين
لولا ما أخذته الحضارة العربية - الإسلامية من الحضارات الأخرى لكانت لدينا اليوم حضارة هزيلة محدودة ليست لها مكانة بين الحضارات . فقد أخذ العرب المسلمون من حضارة الهند الحساب ومن حضارة الرومان التشريع، ومن حضارة الفرس الإدارة، ومن حضارة اليونان الفلسفة . . فكان جماع ذلك الحضارة العربية الإسلامية التي مثّلت اليوم إرثاً حضارياً نعتز ونفتخر به . والإسلام يسمح بذلك ولا يمنعه .
وكان وراء هذا الاقتباس "رؤية الإسلام" وعقيدته . وكان الإسلام يتسامح في ذلك التراث الإنساني المتعدد والمتنوع . وقد نظرت العقيدة الإسلامية إلى هذا التراث باعتباره اجتهاداً . وللمجتهد إن أخطأ أجر، وإن أصاب أجران .
هكذا حض الإسلام على الاجتهاد، وكان لا يفّرق، إلا ما اتصل بأمور العقيدة، بين جهاد واجتهاد . وقد نظر الإنسان المسلم لعطاء البشر، عدا ذلك الاستثناء، بين التسامح والرضا .
وقد ضاعت تلك المنجزات الحضارية التي اقتبسها العرب المسلمون من الحضارات الأخرى ولم يحافظوا عليها . ومرد ذلك إلى ضياع "العقيدة" التي جاء بها الإسلام . فهم كمن أضاع المقياس الذي يقيس به ماذا يأخذ وماذا يدع من الحضارات التي أمامه . فنشأ عن ذلك تخلف رهيب، فسبقتنا الأمم التي تمسكت بعقيدتها، وثوابتها .
إن التربية والتعليم شيئان مهمان في وعي البشر الحضاري . وإذا كان عقل الإنسان رهناً بما تعلمه من علوم وما اطلع عليه من آداب، كان ذلك العقل مستعداً لتقبل ما تأتي به الحضارة، وما يأتي به التقدم الحديث . وقد نشأت في العقل المسلم "ثنائية" بين التقدم والإرث، ثم إن اتساع الوعي الحضاري من شأنه تنبيهه إلى مكانة أمته بين الأمم، والنضال العلمي الذي يتطلبه لتقليص تلك الفجوة .
بسبب تلك "الثنائية"، انفصم الجسم العربي والإسلامي إلى نصفين، ماذا نأخذ، أو يجوز أخذه من الحضارة السائدة وما لا يجوز أخذه من تلك الحضارة . كما ان الأخذ من تلك الحضارة، إذا تقرر، يتطلب جهداً وجهاداً علمياً، فالحضارات لا تعطي شيئاً من ذاتها، بل يجب بذل الجهد لامتلاك مقوماتها .
في الأندلس، وفي ظل الحضارة العربية - الإسلامية الجامعة، نشأت حركة علمية استفاد منها الأوروبيون . وكانت الترجمة من العربية إلى العبرية والفرنسية إحدى وسائلها . وقد برز اسم ابن رشد في تلك الترجمات وكذلك ابن ميمون اليهودي الذي بحث - كابن رشد - في التوفيق بين الإيمان والفلسفة . وقد ظهرت حركة بين الرهبان الفرنسيين باسم "الرشدية" في أبرز معاهدهم وجامعاتهم . ثم تحولت هذه القوة الحضارية إلى قوة سياسية، وهنا الخطورة . حيث تقاسمت القوى الغربية دولة الخلافة الإسلامية التي افتقرت إلى القوة ولم تقاوم . وكما أشرنا من قبل، فإذا افتقدت الأمة القوة الحضارية، لم تجد القوة السياسية شيئاً .
لأنه - كما أشير في البدء - وحيث تكون هناك قوة حضارية حاوية في جسم الحضارة الواحدة، فسيكون لها ثقل سياسي كالثقل الحضاري، وإلا فلا تساوي بينهما .

د . محمد جابر الأنصاري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"