ارتدادات الحل اللبناني في المنطقة العربية

02:39 صباحا
قراءة 4 دقائق

لا بد من الملاحظة أولاً، وقبل أي ملاحظة أخرى، أن السرعة والدقة والدأب والإصرار التي سيطرت على مؤتمر الدوحة الذي شهد نهاية الأزمة اللبنانية قبل أيام، إنما هي دليل عملي، لا يمكن إغفاله أو إنكاره، على وجود بؤر للحيوية السياسية الكامنة في جسد هذه الأمة، أكثر مما كان يوحي به المشهد العربي العام الممزق بين أزمات مترامية الأطراف من الصومال إلى السودان إلى العراق، إلى فلسطين، إلى لبنان (سابقاً)، هذا إذا اكتفينا بأزماته العلنية الساخنة، وتجاوزنا (ولو جدلاً) أزماته الدفينة الأعمق.

غير أن ما حدث في الشأن اللبناني أخيراً، يؤكد عملياً أن الأزمات في الوطن العربي، هي أشبه ما تكون بالأواني المستطرقة، التي تتفاعل مع بعضها بعضاً امتلاءً وفراغاً، كلما تحركت واحدة منها في إنائها.

ويبدو أن هناك نصيباً غير قليل من الصحة والدقة والحنكة في المقولة التي كانت تؤكد في أثناء احتدام الأزمة اللبنانية، أنه مثلما أن أي اتفاق صريح وعميق في السياسة الإقليمية للمملكة العربية السعودية وسوريا، يمكن أن ينعكس حلاً سريعاً للأزمة اللبنانية، فإن أي حل سريع للأزمة اللبنانية، سيكون له بلا شك أثره الطيب في ترطيب بل تحسين العلاقات السعودية السورية.

فإذا القينا اليوم نظرة إلى الأمام، في محيطنا العربي، انطلاقاً من الحل اللبناني الذي كان بلا شك، في جانب منه على الأقل، انعكاساً لأجواء عربية معينة، ماذا يمكننا أن نرى؟

قبل الدخول في التفاصيل، بالإمكان تخيل وحصول أكثر من سيناريو، لأن الساحة العربية ليست منوطة فقط بحركة البلاد العربية وحدها، بل تؤثر فيها قوى إقليمية أساسية اخرى (إسرائيل وتركيا وإيران)، كما انها ستظل (حتى إشعار آخر) منطقة نفوذ للامتداد الإمبراطوري الامريكي في العالم، حتى حدوث تحول ما في آلية هذا التمدد.

لكننا نستطيع على الأقل، أن نتخيل السيناريو العربي الخاص المقبل (بعد حل الأزمة اللبنانية) داخل الساحة العربية، ووفقاً لتصور الحركة الذاتية العربية وحدها في هذه الساحة:

1- في لبنان: إن أكثر المنزعجين من سرعة حل الأزمة اللبنانية هي إسرائيل. لأن أكثر ما يزعجها (كما في أي بلد عربي مجاور لها)، غلبة ظواهر التماسك والوحدة الوطنية على ظواهر التفكك الاجتماعي والطائفي والمذهبي. لأن من بين ما دفع كافة الأطراف اللبنانية إلى التفاعل مع جهود الجامعة العربية التي قادتها قطر في الجولة الأخيرة، بشاعة الهوة المذهبية القاتلة التي فتحتها وفتحت كل احتمالاتها أحداث لبنان في الأسبوع الأخير قبل الحل. إن السيناريو الأكثر تفاؤلاً داخل الساحة اللبنانية، يشير إلى فشل نهائي لمحاولات إنهاء المقاومة اللبنانية بالفتنة المذهبية الداخلية، بعد فشل انهائها بالعدوان الإسرائيلي المباشر.

وإذا ما نجح لبنان في حل الاشكال الداخلي لوضع المقاومة، أي في تحويلها الى قسم من الجيش اللبناني، وفقاً لاستراتيجية وطنية دفاعية، ليس في برنامجها مهاجمة إسرائيل، بل التصدي لأي عدوان يمكنها القيام به على لبنان (كما حدث في صيف 2006)، فإن لبنان لا يكون فقط قد اكتسب مناعة داخلية لا تقوى عليها جيوش العالم، بل يكون قد قدم للدول العربية (خاصة المحيطة ب إسرائيل) النموذج المثالي لمواجهة الصراع العربي الإسرائيلي، وهو احاطة إسرائيل بسوار من الدول العربية المنيعة في جبهتها الوطنية الداخلية، وفي جبهتها القتالية الدفاعية. وهذا، على أي حال، كان الحلم الاستراتيجي لجمال عبدالناصر، الذي حالت دون تحقيقه ضغوط الخارج ومزايدات الداخل وأخطاؤه.

2- في سوريا. إن ذهاب الوضع الداخلي في لبنان إلى هذا التماسك الوطني، سيقود حتماً إلى تنفيذ سليم وكامل لشعار تصحيح علاقاته الطبيعية بجارته التاريخية، سوريا. فإذا اقترن ذلك، بانخراط سوري في حل مشرف للجولان المحتل، يعيده إليها ويحفظ نسبة معقولة من الحقوق التاريخية للفلسطينيين، فإن بوسعنا أن نتخيل المناعة الدفاعية للجبهة اللبنانية السورية، في ظروف لا تعطي إسرائيل أمام الدول الحليفة لها، أي مبرر للاعتداء والضغط على الجبهات العربية الداخلية، لإدخالها في إطار النفوذ الإسرائيلي المدعوم أمريكياً.

إن حدوث تطور استراتيجي بهذا الاتجاه، كفيل بأن يحدث أثره في الأوضاع الرسمية والشعبية في أكبر الأقطار العربية المحيطة ب إسرائيل، مصر. خاصة إذا وصل نظام حكم ديمقراطي إلى البيت الأبيض الأمريكي، يرى معالجة الأزمة الأمريكية في العراق، بجدولة انسحاب تدريجي هادئ.

إن المنطقة العربية تسير باتجاه هذا السيناريو، حتى في المشرق العربي وحده، مدعوماً بعمق خليجي ذي قدرات استثمارية لا حدود لها، كفيل في خلال أعوام خمسة بعد الحل الأخير للأزمة اللبنانية، بتقديم صورة مغايرة تماماً للأوضاع العربية العامة، تصنعه حماسة واندفاع جيل عربي مسلح بكل قدرات العصر وطموحات المستقبل، ولا تكبله الآن سوى الظروف العربية العامة البالغة السوء.

على أي حال، فقد جاء حل الازمة اللبنانية، في أضعف الإيمان، فألاً حسناً كمشهد افتتاحي لغروب شمس المحافظين الجدد الضاربة فساداً في الولايات المتحدة والعالم، منذ ثماني سنوات، عسى ألا يعيدها الناخب الأمريكي إلى سدة البيت الأبيض في واشنطن، في الانتخابات الرئاسية القادمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"