الإخوان والأمريكان . . قراءة واقعية

04:06 صباحا
قراءة 4 دقائق

أزعم أنني شاهد مباشر على بعض الاتصالات الرسمية بين نواب مجلس الشعب من جماعة الإخوان المسلمين والوفود البرلمانية الأمريكية التي قدمت لمصر على امتداد السنوات العشر الأخيرة وذلك بحكم موقعي السابق رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في برلماني (2000 و2005)، وأود أن أسجل هنا شهادتي في أمانة وتجرد إيماناً مني بأن الوطن كله يمر بلحظة صدق واجبة، وأبادر وأسجل أن القراءة في العلاقات الدولية المعاصرة تجعل تبادل الرأي بين الشعوب أمراً طبيعياً، فمن حق الوفود الزائرة أو البعثات المقيمة أن تستقبل من تشاء وأن تسعى إلى كل من تريد على الساحة السياسية سواء كان في الحكومة أو المعارضة، وأود أن أشير هنا إلى أن حساسية الدولة المصرية للاتصالات التي جرت أو تجري بين وفود أجنبية ورموز للمعارضة هي أمر لا مبرر له، كما أن التذرع السابق بأن بعض هذه القوى لم يكن له شرعية قانونية هو وهم آخر كأن يتحدث عن الجماعة المحظورة أو المنحلة وهو قول لا يخلو من السفه وضيق النظرة، وأنا لا أقول ذلك الآن متحصناً بسياج الثورة ولكنني قلت ذلك مراراً في السنوات الماضية، فلقد ذكرت دائماً أنني قد أختلف مع فكر جماعة الإخوان المسلمين ولكنني مع حقهم الكامل في المشاركة السياسية على ساحة العمل الوطني لأنهم مواطنون يحملون فكراً ويطرحون رأياً، ولقد أدنت دائماً أسلوب التعامل الأمني معهم، لذلك وجدت في لجنة العلاقات الخارجية متنفساً يعبرون فيه عن وجهة نظرهم في حديث مباشر مع الوفود الدولية المقبلة إلى البرلمان المصري، ولقد انتقدني ذات يوم مسؤول كبير في البرلمان وقال إنك تعطي نواب الجماعة أولوية في الحديث ومساحة في الحوار بشكل لا يخلو من مجاملة مكشوفة، ولكنني مضيت في طريقي مؤمناً بأن الوجود السياسي على الساحة الوطنية وفي الشارع المصري هو الذي يعطي صك الشرعية في المقام الأول، ولا يعني عدم الاعتراف الرسمي بجماعة سياسية أنها غير موجودة، فالواقع هو الذي يفرض نفسه في النهاية، وهنا دعني أوضح الحقائق التالية:

أولاً: ما زار وفد من الكونغرس الأمريكي لجنة العلاقات الخارجية إلا وأعطيت الفرصة كاملة لكل الاتجاهات السياسية بل والانتماءات الدينية لتطرح مواقفها في علانية وشفافية ووضوح، إيماناً مني بحق الفرص المتكافئة للجميع في الحوار الحر مع الآخر، بل إنني أقر بأن الوفود الأجنبية خصوصاً الأمريكية كانت تبدي اهتماماً خاصاً بالحديث مع نواب الإخوان المسلمين، ويشهد الزميلان العزيزان النائبان د .حازم منصور ويسري تعيلب وهما من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أنني أتحت لهما الفرصة كاملة للحديث مع الوفود الأمريكية تحت قبة البرلمان، وعندما طلب بعض النواب الأمريكيين التواصل مع نواب الإخوان خارج المجلس لم أتدخل وتركت ذلك الحق مكفولاً نتيجة إيماني بأن صاحب القضية هو الأقدر على طرحها والنقاش حولها، وقد حضر بعض هذه الجلسات النائب د .سعد الكتاتني رئيس كتلة الإخوان أو جماعة الثمانية والثمانين آنذاك، وهو أستاذ جامعي دمث الخلق ولقد شارك الرجل وزميلاه المحترمان في حوارات اللجنة بندية وصراحة ووضوح وهم جميعاً شهود أحياء .

ثانياً: لقد تركزت أحاديث نواب الإخوان دائماً عن الضغوط التي يعانون منها والملاحقة الأمنية التي تطاردهم في كل مكان، وأضيف هنا أن نواب الإخوان كانوا ينطلقون من أرضية وطنية ويعبرون عن وجهة نظرهم في اعتدال وموضوعية، والتسجيلات موجودة في أرشيف البرلمان المصري .

ثالثاً: استأثرت القضية الفلسطينية بجزء كبير من حوار نواب الإخوان مع وفود الكونغرس الأمريكي وأبدوا تعاطفاً مع حركة حماس وشرحوا موقف الإسلام الحنيف من الصراع العربي الإسرائيلي وكيف أن القضية الفلسطينية ذات بعدين ديني وقومي منذ بدأت طلائع الفدائيين تتحرك نحو فلسطين عام 1948 وكانت تضم أعداداً من متطوعي جماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت .

رابعاً: إن النظام السياسي الذي يحجب رؤية بعض القوى السياسية فيه عن العالم الخارجي هو نظامٌ يعيش خارج دائرة العصر، وإذا كنت شخصياً ممن يؤمنون بحرية الفكر فإنني قد عبّرت عن نفسي طوال السنوات الماضية وفقاً للمقولة الخالدة للإمام الشافعي (إن رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) وهي التي عبر عنها أيضاً في الفكر المسيحي الغربي فولتير عندما قال (إنني مستعد أن أدفع حياتي ثمناً للدفاع عن حرية رأيٍ أختلف معه) .

خامساً: إنني لا أزال أتذكر من برلمان 2000 عندما جرى اعتقال ابن النائب الدكتور محمد مرسي القطب الإخواني الشهير ورئيس حزب الحرية والعدالة حالياً، لقد قال لي يومها إن ابني يحمل الجنسية الأمريكية بالمولد، ولكنني لن أقبل استخدامها إيماناً مني بالوطنية المصرية قبل كل شيء، ولقد تعاطفت معه يومها فيما ذهب إليه وشعرت بتقدير لما رآه، ومن هذا المنطلق الذي يستند إلى الحياد الأكاديمي والموضوعية السياسية رأيت دائماً أن أتخذ مواقف عادلة تجاه جماعة الإخوان المسلمين التي أختلف معها فكرياً ولكنني أعطيها حقها سياسياً كما سجلت ذلك في مواقف عديدة عبر السنوات الماضية .

هذه قراءة عادلة عن الاتصالات السابقة بين جماعة الإخوان المسلمين والإدارة الأمريكية وليس الكونغرس وحده، فمازلت أتذكر أنه قد تردد الكثير أيضاً في هذا الشأن منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي عندما كان بيللترو هو سفير واشنطن في القاهرة بعدما سبقه سفير أمريكي آخر مؤثر وخطير هو فرانك وزنر، ولقد آمنت منذ ذلك الحين أن واشنطن تراهن على القوى الصاعدة على المسرح السياسي المصري بغض النظر عمن تكون ومتى تصل إلى السلطة . إنني أقول ذلك إسهاماً مني في إجلاء الحقيقة ووضع النقاط فوق الحروف، بقي أن نقول إنه واهم ذلك الذي يتخوف من أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى للقوى السياسية المختلفة من منطلق دعم الديمقراطية وغير ذلك من شعارات واشنطن في السنوات الأخيرة، فالهدف الحقيقي في ظني هو ضمان الولاءات واستقطاب الجماعات وتدجين القوى السياسية في علاقاتها مع الولايات المتحدة وحماية مصالحها الكبرى في المنطقة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"