الإمارات العربية المتحدة.. سنوات الإرهاص 1953-1968 ودور الشيخ زايد

23:27 مساء
قراءة 4 دقائق
ليست الإمارات العربية المتحدة أول مشروع اتحادي يحاول أن يلم الشتات في المنطقة العربية، وإن كان أوّل مشروع في تاريخ العرب القديم والحديث يضم بعضه إلى بعض طواعية. فالمحاولات للملمة الشتات بالطرق السياسية والإقناعية كانت عديدة، وخاصة بعد زوال الحكم التركي والهزيمة التي منيت بها الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وتقسيم المشرق العربي بين دولتين استعماريتين بريطانيا وفرنسا في الاتفاقية المشهورة بين الدولتين والمسماة سايكس بيكو على اسم وزيري خارجية البلدين في ذلك الوقت.فهناك المحاولات التي ذهبت سدى، وماتت في المهد، وهناك تلك التي سادت ثم تلاشت بعد فترة قصيرة، وأولها قيام الوحدة بين مصر وسوريا سنة ،1958 ودامت ثلاث سنوات وانتهت عام ،1961 بسبب بنائها على أسس من العاطفة السياسية الهوجاء التي كانت يومئذ في أوج هيجانها، ولم تتح الفرصة لأية دراسة موضوعية وعملية لإعطاء المشروع قوة المشي في خطوات تدرجية محسوبة. وكان فشل هذه التجربة الرائدة أكثر إيلاماً من أي فشل آخر للنفسية الجماهيرية العربية التي حلقت بها الديماغوجية الإعلامية في فضاء لامتناه من الخيال.كما فشل الاتحاد العربي الهاشمي الذي أعلن عن قيامه بين العراق والمملكة الأردنية الهاشمية في نفس العام أو الفترة التي قامت فيها وحدة مصر وسوريا عام ،1958 بسبب الحرب الإعلامية الشديدة الوطأة التي شنتها الراديكالية العربية مما أدى إلى قيام انقلاب عسكري في العراق بعد شهور قليلة وكان الاتحاد أو الوحدة بين المملكتين العراقية والأردنية، أكثر تقبلاً لدى الليبرالية العربية عن مثيلتها المصرية والسورية بسبب الطابع الليبرالي المنفتح الذي كان يسود بين المملكتين، وبعدها عن النسق العسكري الراديكالي... وأكثر قابلية للتطور السياسي والسير نحو الديمقراطية الليبرالية العربية. وفي رأيي الشخصي أن هذا الاتحاد، الاتحاد العربي الهاشمي، لوكان قد نجح لسلك التاريخ العربي مساراً آخر غير مساره الذي مشى فيه، ولتجنبت الأمة العربية كثيراً مما تعرضت لها من المصائب والمساوئ، وأولها الغوغائية التي عاشت فيها العراق طوال سنين قاحلة، من عام 1958 وحتى يومنا هذا، وإلى المدى الذي لايعلمه إلاّ الله.. ولتجنب العراقيون وتجنبت المنطقة مآسي الحرب العراقية الإيرانية، ثم حرب الخليج الثانية، وكثيراً من المآسي الأخرى التي وقعت نتيجة التهورية واللاعقلانية والتسلطية العسكرية.وجاء المشروع، مشروع اتحاد الجنوب العربي محمية عدن وما حولها من المحميات والسلطنات التي تشكل حالياً جنوب اليمن، لكي تئد الفكرة الاتحادية في مهدها، وتتصارع حولها مجموعة لا تؤمن إلا بالقسرية والعنف، ويتم على أيديها هلاك الزرع والضرع، وتدخلت دولة اليمن أو جمهورية اليمن الشمالية بالقوة المسلحة وضمت إليها المناطق الجنوبية الواحدة تلو الأخرى بعد أن سالت في بطاحها الدماء.اتحاد الإمارات العربية المتحدة: لعلّ هناك الكثيرين ممن يظنون أن اتحاد الإمارات العربية المتحدة قد تكوّنت أسسه البدئية عند إعلان الانكليز الانسحاب من منطقة شرقي السويس بما فيها المناطق الخليجية العربية في يناير عام ،1968 وقيام البناء الاتحادي عام ،1971 لكن الحقيقة أن البنية التحتية قد بدأ الشروع في وضع لبناتها الأولى قبل إعلان الانسحاب البريطاني بستة عشر عاماً أو نحو ذلك، عندما شعر حكام الإمارات السبع بالأطماع المحدقة التي كانت تتطلع إلى التوسع وبسط النفوذ وإحياء الغزواتية التي تعرضت لها منطقة ساحل عمان، وعمان في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر المنصرمين.وكان أكثر الحكام والمشايخ والناس العارفين ببواطن الأمور وكذلك أكثرهم إحساساً بالخطر، هو المغفور له الشيخ زايد بن سلطان الذي كان يشغل آنذاك منصب حاكم منطقة العين وما جاورها من الواحات، حيث كان الخطر على مقربة من ديار زايد، وعلى عتبة باب داره، وكان الشيخ زايد يعلم أن الإنكليز رغم ارتباطهم بالمنطقة وبمعاهدات الحماية، لكنهم غير مأموني الجانب وقد تتغير رؤيتهم تبعاً لمصالحهم ولأي تطور سياسي قد يحصل في المنطقة، ومن هنا كان الشيخ زايد حريصاً على إيجاد التفاهم والتقارب بين الشيوخ في إمارات ساحل عمان من جهة وسلطنة عمان من جهة ثانية، وكذلك إنهاء حالات التصادمات والنزاعات الحدودية بين الإمارات بعضها البعض.وجاء الشيخ زايد إلى دبي عام ،1953 للاستشفاء في مستشفى مكتوم الذي افتتح رسمياً في نفس العام، وتباحث مع المغفور له الشيخ راشد بن سعيد، واتفق معه على وجوب دعم قوات ساحل عمان التي تأسست قبل شهور، واعتبارها جيشاً دفاعياً رسمياً تابعاً لإمارات ساحل عمان وتوسعة قاعدته العسكرية، وكذلك إقامة مجلس للشيوخ يقيم اجتماعات دورية في مقر الوكالة السياسية البريطانية الذي انتقل إلى دبي في نفس العام. كما اجتمع الشيخ زايد رحمه الله تباعاً بحكام الإمارات جميعهم وبالمعتمدية البريطانية للتنسيق في مشروع الجيش الدفاعي وتوسعته وكذلك مسألة مجلس الشيوخ وتوليه الأمور المتعلقة بمصلحة المنطقة.وقد لعب مجلس الشيوخ الجديد وكذلك جيش ساحل عمان دوراً كبيراً وأساسياً في استتباب الأمن الداخلي بين الإمارات من جهة وبين ساحل عمان من جهة أخرى، وكان لهذا الجيش فضل مواجهة الأطماع التوسعية للغير، وكان وجود المجلس وتأسيس الجيش بداية حسنة لاطمئنان الناس على أموالها وأرواحها، وهذا الاطمئنان أدى إلى انتشار العمران والتمهيد لقيام تعاون مثمر بين كل مناطق الإمارات، وهذا التعاون كان بمثابة الإرهاصات الأولى لظهور هذه الدولة، دولة الإمارات العربية المتحدة التي نتفيأ اليوم جميعاً بظلالها الوارفة.وكما كان للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان فضل وضع الحجر الأساسي في البناء القوي الذي ارتفع شامخاً يوم 2 ديسمبر ،1971 وفضل قيادة السفينة التي شقت العباب المتلاطم، كنوخذ ماهر ومعلم قدير، كذلك يخبرنا التاريخ أن الشيخ زايد كان وراء الإرهاصات ومعالمها الأولى التي كانت تظهر هنا وهناك، والتي نتجت عن قيام هذه الدولة الفتية ونجاح مسيرتها طوال ستة وثلاثين عاماً من الخير العميم.وللحديث بقية عن سنوات المخاض 1968-1971.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"