الاتحاد الأوروبي لا يزال مصلحة أمريكية

03:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

في الأصل أنشأت الولايات المتحدة، في عام 1949، منظمة حلف (الناتو) بهدف الدفاع عن أوروبا الغربية في وجه عدوان سوفييتي محتمل عليها. وبعد زوال هذا الأخير استمر الحلف وتوسعت مهامه وانضمت إليه الدول الأوروبية الخارجة من الفلك السوفييتي. أكثر من ذلك كانت واشنطن قد أعلنت على لسان وزير خارجيتها جورج مارشال، في 5 يونيو 1947، عن مشروع ضخم يهدف إلى تقديم مساعدات بقيمة 13 مليار دولار لإعادة إعمار أوروبا الخارجة من جحيم الحرب العالمية الثانية. وكان من شروط هذه المساعدة:
ــ أن تقوم الدول الأوروبية بعمل مشترك لإنعاش اقتصادياتها وأن تخفض الحواجز التجارية فيما بينها.
ــ أن تضمن هذه الدول الاعتماد على نفسها في غضون عام 1952.
ــ أن تنشئ هذه الدول منظمة دولية تعمل كوكالة للتعاون فيما بينها (وهكذا نشأت المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي). وقد أعلن «مشروع مارشال» بوضوح أن «الرخاء الأوروبي أصبح مسؤولية أمريكية». كذلك الأمن الأوروبي والذي تأمن بالغطاء النووي الأمريكي ونشر قوات أمريكية في أوروبا.
هذه الشروط كانت رسالة أمريكية للدول الأوروبية بضرورة اتخاذ إجراءات فعالة في اتجاه توحدها، قبل أن تصب سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة في اتجاه دعم التوحد الأوروبي باعتباره مصلحة استراتيجية أمريكية حيوية.
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي بدأ المراقبون يتساءلون عن مستقبل حلف الناتو والعلاقة الأمريكية - الأوروبية، لكن لم يطل الأمر حتى قطع الرئيس جورج بوش الأب الشك باليقين عندما أعلن بأن الوحدة الأوروبية مصلحة استراتيجية أمريكية، بل إنه سعى لدى المستشار الألماني هلموت كول لإقناعه بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعد عودة ألمانيا موحدة رغم ما يترتب عليه هذا الانضمام من تكاليف مثل التخلي عن المارك الألماني لمصلحة العملة الأوروبية الموحدة التي أقرتها معاهدة ماستريخت والتي كانت ألمانيا الموحدة ركنها الأساسي الثاني إلى جانب فرنسا.
الرئيس كلينتون حذا حذو من سبقه في سياسة استمرت في دعم الوحدة الأوروبية، ومن مظاهرها موافقته على طلب توني بلير بشن حملة أطلسية على صربيا التي كان يقودها سلوبودان ميلوسوفيتش في عام 1999بعد خرقه لاتفاقية رامبوية. وكان المبعوث الأمريكي جورج ميتشل قد هندس اتفاقية دايتون في البوسنة، عام 1995، كذلك اتفاقية ستورمونت التي أوقفت الحرب بين الكاثوليك والبروتستانت في إيرلندا الشمالية، في عام 1999. بتعبير آخر ساهم الأمريكيون كثيراً في استقرار الاتحاد الأوروبي الذي بين عجزاً مدقعاً في مواجهة مشاكل ضربت قلب القارة.
فقط الرئيس بوش الابن تسبب بأزمات غير مسبوقة مع الأوروبيين بمناسبة قراره غزو العراق والذي اعترضت عليه فرنسا وبلجيكا وألمانيا قبل أن تلتحق بهم إسبانيا في عام 2004. وسمعنا للمرة الأولى تهديدات أمريكية للـ«القارة العجوز». وانتهى التوتر في قمة سي-آيلند، في يونيو 2004، بخضوع المستشار الألماني شرويدر والرئيس الفرنسي شيراك للأمر الواقع المتمثل بالاحتلال الأمريكي للعراق.
في عام 2008 قام المرشح للرئاسة الأمريكية أوباما بجولة في بعض الدول الأوروبية ألقى فيها تصريحات مؤيدة للتحالف القائم بين القارتين مع الوعد بتعزيزه. في برلين استمع اليه الآلاف، حيث ألقى خطاباً حماسياً ذكر فيه بتحرير ألمانيا من قبل الجيش الأمريكي مؤكداً استمرار الالتزام بالأمن الأوروبي وبالحلف الراسخ عبر علاقة بين حلفاء «يستمعون إلى بعضهم بعضا ويتعلمون من بعضهم بعضا وأكثر من ذلك يثقون ببعضهم بعضا».
لكن سنوات حكم أوباما زرعت مشاعر الإحباط وخيبات الأمل لدى حلفائه الأوروبيين الذين اتهموه بإهمالهم وعدم «الاستماع» إليهم بسبب تركيزه على آسيا. لذلك يبدو أنه قرر وداع أوروبا بموقف يسجله له التاريخ. فقد صار بعيداً ذلك الوقت الذي كانت تتجسس فيه وكالة الأمن القومي الأمريكي على الهاتف الشخصي للمستشارة ميركل. في زيارته لها في 24إبريل المنصرم وخلال افتتاحه للمعرض الصناعي في هانوفر قال عن «صديقته انجيلا» كلاماً وصفته صحيفة دير شبيغل بـ«إعلان حب» كان بمثابة دعم لها في مواجهة الضغوط التي تتعرض لها بسبب سياستها الانفتاحية حيال المهاجرين والنازحين.
أكثر من ذلك قال بوضوح إن بلاده تحتاج لأوروبا قوية ومتحدة ومزدهرة وديمقراطية للحفاظ على النظام الدولي، وإن ما يحدث فيها يهم العالم أجمع. وحث حلفاءه على المزيد من الإنفاق العسكري لمواجهة تنظيم «داعش» والتهديدات الأخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"