الاستيطان "الإسرائيلي" ومزاعم السلام

00:29 صباحا
قراءة 4 دقائق
خلال زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى الأردن مؤخراً قال إن أهم ما يمكن أن يعيق عملية السلام هو الاستيطان وقد وعدنا الطرف الإسرائيلي بأنه لن تكون هناك عمليات استيطانية. ويأتي تصريح عباس هذا رداً على تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت لصحيفة جيروزاليم بوست الذي قال فيه إنه يجب التوصل إلى تسوية حول بعض أجزاء أرض إسرائيل، لحماية الطابع اليهودي والديمقراطي للدولة، وتابع انه يرى ان اتفاقاً دائماً مع الفلسطينيين يجب ان يعترف بمستوطنة معاليه ادوميم في الضفة الغربية جزءاً لا يتجزأ من القدس ومن إسرائيل. لذا فإن وقف الاستيطان العشوائي نقطة مركزية في الجهود المشتركة لدفع المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وسيكون الموضوع مدار بحث أولمرت وعباس خلال اجتماعاتهما، وإذا كان أولمرت سيتعهد لبوش بإزالة المستوطنات التي تسميها إسرائيل بالعشوائية وفقاً لصحيفة هآرتس، فإن السلطات الإسرائيلية ترفض نشر تقرير رسمي حول الاستيطان في الضفة الغربية تخوفاً من الإحراج الذي قد يسببه، مع الإشارة في نفس الوقت إلى أن أولمرت سبق وأن أقرّ بأنّ تل أبيب تعهدت تجميد الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة بموافقتها على خريطة الطريق، إلا أنّه أوضح أن الضمانات التي قدمها الرئيس الأمريكي جورج بوش في رسالته في العام 2004 لرئيس الوزراء السابق أرييل شارون، في ضرورة الاعتراف ب الواقع الديمغرافي في الضفة، تسمح للدولة العبرية بمواصلة البناء في الكتل الاستيطانية القائمة، من دون إقامة مستوطنات جديدة ومن دون مصادرة أراضٍ يملكها فلسطينيون. ويرى أولمرت أن أي اتفاق تسوية دائم مع الفلسطينيين ينبغي أن يضمن بأن تكون مستوطنة معاليه أدوميم في الضفة الغربية جزءاً لا يتجزأ من القدس ومن دولة إسرائيل، بينما يرى الفلسطينيون أن مجرد النظر إلى خريطة توزيع المستوطنات الإسرائيلية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، يمكن إدراك أن إقامة هذه المستوطنات في مواقعها الحالية لم يأت عبثاً بل وضعت ضمن خطط مدروسة بعناية لتحقيق الأهداف والمطامع الإسرائيلية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية أو الضغط على التجمعات السكانية الفلسطينية لكي تصبح هذه التجمعات في النهاية جيوباً صغيرة أو كما يسمى كانتونات مغلقة وسط المحيط الإسرائيلي المتمثل في المستوطنين الذين سكنوا هذه المستوطنات.والحقيقة أن الدولة العبرية تحاول من وراء هذه المستوطنات العشوائية الى خلق حاجز لمنع التواصل الجغرافي بين الفلسطينيين وإخوانهم في المحيط العربي، تم خلق جدار أمني بين السكان الفلسطينيين والسكان الإسرائيليين داخل خط الهدنة، وثالثاً تجزئة الأراضي الفلسطينية وإعاقة التواصل الجغرافي، ومن هذه الأهداف الإسرائيلية الثلاثة أصبحت المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة من أبرز مظاهر التشويه والتدمير للبيئة الفلسطينية، بل و أخطرها على الإطلاق، فالاستيطان يعني السيطرة على الأرض والموارد، وهو بهذا يشكل ذروة الاحتلال وجوهر الفلسفة التي قامت عليها إسرائيل التي أضافت الى ذلك في مراحل لاحقة جدار العزل العنصري. ويقول المحللون في المنطقة إن الذاكرة ما زالت تضج بكل تلك المستوطنات التي بنيت عشية اتفاق أوسلو، وها هي تبنى اليوم على قدم وساق بعد مؤتمر أنابولس، وكأن هناك مؤامرة لتدمير كل تلك الجهود تحت مسميات أن تلك العطاءات قديمة أو أنها لأجل التكاثر الطبيعي، وكأن لا وسيلة لوقفها، وهي حجة غريبة فمن يرغب في سلام حقيقي يجب أن يبادر إلى وقف جميع الأعمال الاستفزازية والمعطلة للمسيرة السلمية ويجب أن يزيلها بأسرع ما يمكن، لكن الدولة العبرية وبدليل واقع ومرئي في آن واصلت عمليات الاستيطان المستمرة في القدس في محاولة أحادية الجانب لتغيير الواقع الديمغرافي والحضري في منطقة تعتبر في صلب مفاوضات الوضع النهائي ولا يجوز المساس بوضعيتها. لاشك أن طرح خطط لزيادة الاستيطان في مناطق القدس الشرقية هو بمثابة قنبلة قادرة على تدمير المفاوضات من قواعدها، وإذا كانت هذه الأفكار ستعاود الظهور قبيل كل جولة تفاوضية فهي مؤشر على تكتيك سياسي إسرائيلي يحاول تجميد فرص التوصل إلى حلول معقولة ومؤيدة للحقوق الفلسطينية من خلال زيادة التوتر السياسي بين الطرفين، وبالتالي لا توجد تفسيرات قابلة للتفاوض حول الاستيطان، وحتى خارطة الطريق التي تعتبر في نظر الكثير من السياسيين الفلسطينيين العرب أدنى من الحقوق المطلوبة أكدت على أن الاستيطان عقبة في طريق السلام ولم تعطه اية شرعية وطالبت بوقفه، أما المحاولات الإسرائيلية لتحديد بعض المناطق مخصصة للاستيطان في مفاوضات الحل النهائي فهي تحايل واضح على الشرعية الدولية ومحاولة عدوانية لفرض أمر واقع على المفاوض الفلسطيني بفعل بلدوزرات الاحتلال الإسرائيلي صاحبة القرار السياسي في القدس حالياً، وأن ما يقوم به رئيس الوزراء الإسرائيلي من إقرارات عابرة بوقف ما تسميه الدولة العبرية بالمستوطنات العشوائية، يظل عملاً من أعمال التحايل وكسب الوقت التي عهدناها منذ نشوء الكيان الصهيوني الشاذ في قلب منطقتنا العربية فلسطين. [email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"