الاقتصاد السوري وسط زوابع السياسة

01:21 صباحا
قراءة 4 دقائق

تتركز أخبار سوريا في الإعلام على القضايا السياسية والأمنية نتيجة تطورات الاوضاع في المنطقة، في حين لا يحظى الوضع الاقتصادي السوري باهتمام كبير على الرغم من ان تطوراته تعد مرتبطة إلى حد كبير بالأوضاع السياسية . وأدى التغير في السياسة السورية تجاه قضايا اقليمية، خصوصاً لبنان، إلى كسر جزئي للعزلة الدولية والاقليمية التي كان لها اثر سلبي في الاقتصاد السوري .

ومع ان تقدم مفاوضات الشراكة السورية مع الاتحاد الاوروبي لا يتوقع ان يثمر نتائج ملموسة تنعكس ايجابا على الاقتصاد السوري بسرعة، إلا انه خطوة مهمة على طريق تعزيز سياسة الانفتاح الاقتصادي السوري المنضبط، التي بدأت تتسارع وتيرتها في الحكم الجديد وباشراف نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية . إلا أن التطورات الاخيرة في المنطقة، خصوصاً بعد حرب المجازر الاجرامية على قطاع غزة، اطلقت بعض السحب السياسية على سوريا مما قد يؤثر سلبا في وضعها الاقتصادي ما لم يتم تدارك تلك التطورات .

بالطبع هناك عوامل دولية واقليمية ومحلية اقتصادية صرفة، اثرت في وضع الاقتصاد السوري في العامين الاخيرين، ولم تكن كلها ايجابية تماما ما جعل خطط التطوير والتحول الاقتصادي تتباطأ إلى حد ما . فالفورة الاقتصادية التي سبقت الازمة الحالية، ومع الانفراج السياسي الاقليمي بشأن سوريا، جعلت استثمارات خليجية تتدفق على الاقتصاد السوري بقدر معقول . إلا ان ذلك تباطأ مؤخراً أو كاد ينعدم نتيجة الازمة الاقتصادية العالمية وتراجع اسعار النفط بنحو الثلثين .

اضف إلى ذلك ان تراجع انتاج النفط السوري وفترات الجفاف التي اضرت بانتاج القطاع الزراعي ساهمت ايضا في اتجاه مؤشرات الاقتصاد الكلي نحو التراجع . مع ذلك تبقى التوقعات ايجابية في حال استمرار السياسة السورية المرنة التي لا تضر بوضعها الاقتصادي والحفاظ على توجهات التغيير الاقتصادي ولو بوتيرة ابطأ لكن من دون توقف .

ونتيجة ذلك تراجع النمو الاقتصادي في سوريا من 3 .6 في المائة في العام 2007 إلى 8 .4 في المائة العام الماضي، ويتوقع ان يقل عن ثلاثة في المائة هذا العام (نحو 9 .2 في المائة) قبل ان يعاود التحسن مع توقعات بأن يصل إلى 7 .3 في المائة العام المقبل .

ومع ان معدل التضخم لم يصل إلى اربعة في المائة في العام 2007 (9 .3 في المائة)، لكنه ارتفع بشكل صاروخي العام الماضي إلى 1 .14 في المائة بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وتراجع الصادرات مع انخفاض انتاج النفط والمحاصيل الزراعية بسبب الجفاف، واثر ذلك سلبا في جموع المواطنين بارتفاع الايجارات وأسعار السلع الاساسية، لكنه يتوقع ان ينخفض إلى 3 .5 في المائة هذا العام مع تراجع الأسعار العالمية وانكماش الطلب المحلي نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة للمواطنين، على أن يعاود الارتفاع بشكل طفيف العام المقبل ربما إلى 6 في المائة .

وقد يكون استقرار سوق الصرف احد العوامل التي تضبط معدل التضخم في سوريا، فالليرة السورية التي يربط البنك المركزي قيمتها بسلة عملات لا تشهد تغيراً كبيراً، ولم يتغير سعرها إلا من 50 ليرة للدولار في العام 2007 إلى أقل من 47 ليرة في العام الماضي، ويتوقع ان يظل سعر الصرف عند هذا المستوى هذا العام والعام المقبل أو بتغيير طفيف جداً .

والمشكلة الأساسية هي تراجع الاستثمارات الخارجية نتيجة ظروف عديدة اقتصادية وسياسية، وكذلك الانخفاض في الموارد نتيجة تطورات عالمية ومحلية . ونتيجة ذلك فإن عجز الموازنة العامة السورية أخذ في التصاعد، فبعدما كان عند 1 .3 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2007 وصل إلى 7 .3 في المائة العام الماضي ويتوقع ان يصل إلى عشرة في المائة من الناتج المحلي الاجمالي هذا العام قبل ان يتراجع إلى ستة في المائة العام المقبل .

واحد المدخلات الرئيسية لتلك النتيجة هي تراجع الصادرات، فبعدما وصل حجم الصادرات السورية إلى 75 .11 مليار دولار عام 2007 والى 56 .12 مليار دولار العام الماضي، يتوقع أن يتراجع بنسبة 34 في المائة إلى 26 .8 مليار دولار هذا العام، قبل ان يعاود التعافي، والنمو ربما بنسبة 12 في المائة، إلى نحو 22 .9 مليار دولار العام المقبل مع تحسن الطلب العالمي . فمعدلات الأمطار في الموسم الحالي لا تؤشر إلى تحسن ظروف الجفاف التي اضرت بناتج القطاع الزراعي السوري والتي تؤثر سلبا بالتالي في عائدات الصادرات اضافة إلى تراجع اسعار النفط بنحو الثلثين، كما ان الانتاج من الحقول الجديدة لم يعوض تماما التراجع في انتاج الحقول القديمة التي تشهد نفادا في الاحتياطي النفطي .

والنتيجة ان العجز التجاري (الفارق بين عائدات الصادرات وتكاليف الواردات) قد يصل إلى مستوى غير مسبوق عند 5 .2 مليار دولار هذا العام قبل ان يتراجع قليلا إلى 4 .2 مليار دولار العام المقبل .

* محلل اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"