الاقتصاد الصيني في مأزق؟

01:17 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. لويس حبيقة

بداية 2016 كانت سلبية في الأسواق المالية. سقط مؤشر أسهم بورصة شانغهاي 6,9% في يوم 14 و7% في نهار 17، فتأثرت سلباً كل البورصات العالمية، بما فيها الأمريكية ما يشير إلى دور اقتصادي جديد للصين.

بلغ النمو الاقتصادي الصيني 7,5% في سنة 2015 ومن المتوقع أن ينخفض إلى 6,5% هذه السنة. خفض «اليوان» الذي لم يعد مربوطاً فقط بالدولار بل بسلة من العملات. خفض لتعزيز الصادرات، ما انعكس سلباً على الاقتصاد العالمي لأن المستثمرين خافوا من حروب قد تدمر التجارة والاستثمارات العالمية. ومن المرجح أن يخفض «اليوان» أكثر هذه السنة نتيجة انخفاض النمو الصيني، كما لتعزيز التنافسية تجاه العملات الأخرى كاليورو والين. وشكلت هذه الفترة الانتقالية مصدراً للتقلبات والخوف الدوليين في ظل التعثر الأوروبي والانعزال الياباني والطموح الصيني.

وفي الواقع تخضع الصناعة الصينية كما القطاع العقاري، إلى تعديلات هيكلية في الإنتاج والأسعار يضاف إليها نمو قطاعي الاستهلاك والخدمات، كما ارتفاع الأجور ودخل الأسر. يتحول الاقتصاد الصيني تدريجيا من اقتصاد مبني على الإنتاجين الصناعي والزراعي كما على الادخار، إلى آخر مبني على الإنفاق والاستهلاك وتعزيز الخدمات ما ينعكس إيجاباً على العمالة وتخفيضاً للبطالة.

لذا تمر الصين اليوم بمرحلة اقتصادية انتقالية صعبة تنعكس على المجتمع والسياسة والدور الدولي المطلوب للصين. انخفاض النمو السنوي من 12% إلى 7% ليس بالأمر السهل في مجتمع اعتاد على تحقيق الغنى السريع لعقود خلت. في الأشهر السبعة الأولى من سنة 2015، انخفض حجم التجارة الصينية 7,3% علما بأن الصادرات انخفضت 8,8% والواردات 8,6% في شهريوليو/تموز فقط. ينخفض التضخم خلال 42 شهراً متواصلاً بسبب ضعف الطلب. وانخفض الاحتياطي النقدي من 3,99 ألف مليار دولار إلى 3,65 ألف مليار دولار خلال سنة.

إن ضعف النمو يوعي الشعب ويدفعه إلى المطالبة بحقوق سياسية تنعم بها دول عدة حتى في آسيا. لذا يشعر القادة الصينيون بالقلق حيال التغيرات السريعة التي تمنعهم عملياً من توسيع دور الصين في الاقتصاد والسياسة الدوليين. ويحاول القادة الصينيون تقوية الدور الصيني عبر العمل الجدي الصامت من دون الرغبة في المواجهة المباشرة مع الغرب بانتظار التحضير الأفضل. ويحاول القادة الصينيون تقوية الصين من الداخل عبر التنمية وتحسين أوضاع المدن كما الريف، قبل الشروع في المواجهة الدولية التي ستكون سياسية واقتصادية، قبل أن تكون عسكرية. الغرب واع جداً لهذه التحضيرات الصينية ولن يدع الصين ترتاح، هذا طبعاً إذا استطاع ذلك.

وقال الزعيم السابق «دنغ هسياو بينغ» إن «على الصين تخفيض بريقها وتعزيز غموضها وتعميق تواضعها وتقوية رغبتها في التعاون الدولي». «على الصين تقوية اقتصادها بهدوء وصمت من دون أن تسبب اعتراضات أو ردود فعل مناطقية ودولية». وتعاني الصين اليوم أكثر من أي وقت مضى من مساوئ الفساد وانعكاس أوضاعها الاقتصادية سلباً على البيئة والتلوث كما على فجوة الدخل والثروة بين طبقات الشعب. وهنالك 5 وقائع يمكن أن تصف الدور الصيني:
أولاً: بدأت الصين بالتأثير دولياً، ليس عبر مجلس الأمن فقط، وإنما عبر المصرف الآسيوي الاستثماري الذي بدأ العمل حديثاً ليعطي الصين دوراً مالياً كبيراً، ليس في آسيا فقط، وإنما عالمياً. وتشكل منطقة آسيا - المحيط الهادئ نصف الإنتاج العالمي، ما يفسر المنافسة الدولية عليها كأسواق مرنة متحركة وكمصدر للاستثمارات. وتتحول الصين تدريجياً من منفذة للقواعد والقوانين الدولية إلى واضعة لها، وهذا تغير كبير تحلم به كل دولة. والأوضاع السياسية الداخلية دقيقة، إذ يبقى الحزب الشيوعي هو الحاكم ما يدفع القيادة إلى التكلم بحزم في الخارج دفاعاً عن المصالح الدولية التي تنعكس إيجاباً في الداخل.
ثانياً: شاءت الصين أم أبت، رغب المجتمع الدولي أم كره، فالصين هي اليوم في مواجهة هادئة، لكن جدية مع الولايات المتحدة. هنالك منافسة في النفوذين السياسي والاقتصادي المؤثرين في الواقع كما في النتائج عالمياً، خاصة في آسيا. فالقوة لا تغير الأشخاص فقط، لكنها تغير الدول أيضاً. يقول المحلل «فريد زكاريا» إن هدف التنمية يبقى المشروع الرئيسي والأساسي للقيادة الصينية، إن لم يكن الوحيد. لا يمكن لهذه القيادة أن تعرض الإنجازات الاقتصادية للخطر في سبيل الطموح السياسي الذي يمكن تأجيله.

ثالثاً: لا شك في أن الولايات المتحدة واعية جداً للطموحات الصينية وهي قادرة اليوم على مواجهتها في كل الميادين، بما فيها العسكرية. تعرف أمريكا أن للصين مصالح اقتصادية دولية وسياستها الخارجية تهدف حكماً إلى حماية وتطوير هذه المصالح. لكن أمريكا تعاني اقتصادياً ومالياً عبر عجز الموازنات وارتفاع الدين العام إلى ما يفوق الناتج المحلي الإجمالي. كي تبقى أمريكا قوية على المدى البعيد، عليها معالجة الخللين المالي الداخلي والخارجي، أي عجز الحساب الجاري المؤثر سلباً في الدولار.

رابعاً: تأخذ المنافسة الصينية الأمريكية أشكالاً عدة، منها العسكري حيث تنافس البحرية الصينية الأمريكية في غرب المحيط الهادئ. والمعلوم أن 90% من التجارة السلعية العالمية يتم عبر البحار، ولا يمكن لأي قوة دولية التساهل بشأنها. وهنالك منافسة سياسية تقوى في كل القارات ومنها في الشرق الأوسط، وإن لم يكن الصوت الصيني مرتفعاً بعد بسبب المصالح. في الوقت نفسه، نرى أن الصين بادرت إلى توقيع اتفاقيات كبيرة وعديدة مع إيران، وهي ستستفيد جداً من الانفتاح الإيراني الجديد كما تفيد إيران أيضاً.

خامساً: لأول مرة، هنالك منافسة نقدية كبيرة بين الصين وأمريكا. سقوط الأسواق في بداية هذه السنة بسبب تخفيض سعر اليوان وتدني النمو الاقتصادي الصيني يظهران للمرة الأولى التأثير العالمي للصين في الاقتصاد الدولي. «اليوان» أصبح نقداً رئيسياً عالمياً، ودخل ضمن نقد صندوق النقد الدولي تماماً، كما هو حال الدولار واليورو والين. لم يعد الدولار النقد الوحيد الذي يدير الاقتصاد العالمي، بل أصبح يتنافس مع الصيني بعد أن مرض اليورو وضعفت اليابان إلى حدود لم يعرفها العالم من قبل.

لا شك في أن الصين تتغير بشكل مختلف عما قبل. من الأمثلة المهمة هي مسابقات ملكات الجمال التي كانت ممنوعة، بل اعتبرت في زمن المؤسس «ماو تسي تونغ» مهينة، وتشير إلى السقوط الثقافي الغربي. وقد أنفقت الحكومة 30 مليون دولار لإنشاء مقر لمسابقات ملكات الجمال التي تتم دورياً في الصين. ويقول الصينيون «الق نظرة ثانية قبل أن تنفذ، فهي لا تكلف شيئا». تحتاج الصين إلى إصلاحات كبيرة وكثيرة خاصة في الميادين الثلاثة التالية:

أولاً: هنالك إصلاحات مصرفية مطلوبة داخل ميزانياتها بحيث تتوازن آجال الودائع مع القروض، الودائع قصيرة الأجل والقروض طويلة الأمد، ما يؤثر سلبا في السلامة المصرفية. يجب تحسين الإدارة المصرفية في التعليم والممارسة.

ثانياً: ميزانيات الشركات تحمل ديوناً كبيرة نسبة لرأس المال، ما يعرض سلامتها ويمكن أن يدفعها إلى الإفلاس. هنالك ضرورة لنشر ثقافة الإدارة السليمة ضمن مجتمع الأعمال. وهنالك دور كبير لكليات إدارة الأعمال في تصحيح هذا الخلل المزمن.

ثالثاً: هنالك سوء توازن بين القطاعين العام والخاص من ناحية سهولة التمويل لمصلحة الأول، وهذا يعيق تطور القطاع الخاص الذي يشكل ركيزة النمو الاقتصادي الصيني. لا بد من قلب الدور ضمن التفكير الاستراتيجي الصيني الجديد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"