الانتخابات الأردنية.. عزوف حزبي

01:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
بعد نحو ربع قرن على رفع الحظر عن تشكيل الأحزاب في الأردن، ومع وجود 49 حزباً مرخصاً، فإن نسبة المترشحين من الأحزاب، ومن ذوي الانتماءات الحزبية، بلغ 18 في المئة، بعدد يراوح بين 210 حزبيين إلى 230 حزبياً، من جملة المترشحين البالغ عددهم 1292 مترشحاً، وعدم الحسم في العدد، يعود لكون بعض المترشحين يستعدون لخوض السباق الحزبي بصفتهم الشخصية.
الانتخابات النيابية ستُجرى يوم الثلاثاء 20 سبتمبر/‏أيلول الجاري، ومن المنتظر أن يكون هذا اليوم عطلة رسمية في البلاد، وضمن قانون يسمح للناخب باختيار قائمة (بالاسم الذي تحمله القائمة.. قائمة الدولة المدنية مثلاً) إضافة إلى اختيار مرشح منها بالاسم. وقد أُطلق على القانون تسمية «القائمة النسبية المفتوحة». ومن الواضح أنه يجمع بين نظام القائمة النسبية والترشيح الفردي، ولهذا فإن نسبة كبيرة من المترشحين يرفعون يافطات مصورة خاصة بهم، إلى جانب لافتات تروج للقائمة التي ينتسبون إليها.
التوقعات تتجه إلى وصول عدد من الحزبيين إلى البرلمان بنسبة تضاهي، في أحسن الأحوال، نسبة عدد المترشحين الحزبيين، وهي 18 في المئة من مجموع مقاعد البرلمان (130 مقعداً، وليس 115 مقعداً، كما ذُكر سهواً في مقال سابق). والملاحظة الأبرز هي حالة العزوف الحزبي عن الترشح. ويردّها بعض المعنيين إلى إرث نظام الصوت الواحد، وميل الناخبين إلى اختيار أفراد. ويسترعي الانتباه أن الإسلاميين بتياراتهم الأربعة، قد تقدموا بترشيح 108 مترشحين، وهو ما يعادل نصف مجموع الحزبيين المترشحين. أمّا الأحزاب القومية واليسارية، فيعود تاريخ نشأة بعضها إلى 60 عاماً، مثل الحزب الشيوعي وحزب البعث بجناحيه، فلم يترشح عنها سوى 12 مترشحاً، فيما كان العدد ضعف ذلك عام 1993. أمّا الأحزاب الوسطية و«اليمينية»، والتي تشكل معظمها خلال العقدين الماضيين، فقد بلغ عدد مترشحيها 14 مترشحاً، يمثلون ثمانية أحزاب.
ومن اللافت أن غالبية الأحزاب ومرشحيها قد شكلوا قوائم أو شاركوا بها، بغير أن تحمل هذه القوائم أسماء أحزابها، باستثناء حزب الجبهة الأردنية الموحدة، وهو حزب محافظ، وحزب المؤتمر الوطني «زمزم» المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين. وهو ما يدلل على غياب الثقة بالذات، وعلى إدراك أن الجمهور يجهل حتى أسماء معظم الأحزاب، ما يجعل المراهنة على الدعاية الحزبية أو التقدم للترشح باسم الأحزاب مسألة خاسرة. وقد لوحظ أن حزب جبهة العمل الإسلامي، رغم العدد الكبير نسبياً لمرشحيه (72) إلّا أنه أطلق على قائمته اسم «الإصلاح»، واستبعد في حملته الانتخابية شعارات سابقة، طالما كان يرددها مثل: «الإسلام هو الحل».
الإسلاميون ممثلون بجبهة العمل، يخوضون الانتخابات بعد مقاطعة امتدت لنحو عقدين من الزمن، ويجدونها فرصة لكسر طوق العزل والعزلة عنهم، بعد أن انشق عنهم تياران، أحدهما حمل الاسم نفسه لجماعة الإخوان، ونال ترخيصاً (بات يُعرف بالجماعة المرخصة)، والثاني باسم زمزم.
وتبقى المشكلة الأكبر هي في غياب أحزاب عصرية، تنسجم في أدائها وأسلوب عملها مع إيقاع الحياة الجديدة، ومع المزاج العام المتغير للجمهور، الذي لا يطيق، على سبيل المثال، ولا يجد متسعاً من الوقت للاجتماعات الحزبية الطويلة، والمناقشات المسترسلة، كما كان عليه حال الحياة الداخلية للأحزاب في النصف الثاني من القرن العشرين.
إن الأحزاب تتسابق على خوض انتخابات النقابات المهنية مثل نقابة المهندسين والأطباء والمحامين، وحتى رابطة الكتّاب، كي تكتسب بعض القوة والنفوذ في المشهد السياسي العام، وهو ما تفتقر إليه في أدائها الحزبي الخاص بها، كأجسام سياسية.
هذا بينما تعمد الجهات المسؤولة إلى توزير حزبيين سابقين، بدلاً من حزبيين مازالوا منضوين في أحزابهم، وذلك في إشارة إلى أن السياسي الجيد، وفق المفهوم الرسمي، هو الحزبي السابق لا الحالي! إلّا أن التوجس الرسمي من أحزاب المعارضة يظل قائماً، ويؤدي لإقصائها عن الأضواء، ووضعها في دائرة الاستفهام، وفي موضع غير المرضي عنه، وهو ما يدركه الجمهور الذي يلتقط الرسالة، فيبتعد عن وجع الرأس!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"