التحالف مع الاحتلال

أفق آخر
03:15 صباحا
قراءة دقيقتين

سيكون الاحتفال الصهيوني ببلوغ الدولة العبرية الستين ناقصاً، إذا اقتصر الحضور على الرئيس الأمريكي بوش والرئيس الفرنسي ساركوزي والسيدة ميركل، فثمة مقاعد فارغة لكل من بلفور وترومان وجونسون وآخرين ممن ساهموا بهذا القدر أو ذاك في إدامة هذا الخطأ التاريخي حسب تسمية توينبي الشهيرة للكيان الصهيوني.

وإذا كان قادة العالم الذين يثرثرون على مدار الساعة عن الحريات وحقوق الإنسان ومحور الخير سيفضلون الذهاب إلى عرس القاتل على الذهاب إلى مأتم القتيل فذلك هو الوجه الآخر للتاريخ، الذي تنعدم فيه أدنى حدود المنطق، وتحذف منه العدالة لمصلحة العدوان والاستيلاء.

وأول ما يمكن تسجيله على مشاركة قادة أمريكا وأوروبا في هذا الاحتفال التنكري هو استخفافهم بالعرب، وعدم إقامة أي وزن لردود أفعال متوقعة لتلك المشاركة.

لقد تبدد حتى الخجل من عالم احترف النسيان ولم يعد للمناقبية أي ظل أو صدى في هذه البرغماتية الكونية التي لا تعترف إلا بالقوة والتي تضيف مواقفها وقواها إلى المستبد لأنه استبدل شرعية الحق والعدل بشرعية الصاروخ والدبابة والرأس النووي.

إن للثالوث الأمريكي والفرنسي والألماني الذي يشارك في ذكرى تأسيس الكيان الصهيوني أسلافاً لعبوا دوراً في تحويل ما هو طارئ إلى أمر واقع، لهذا فالخطأ ليس لقيطاً، ولهذا يجب على الممانعة العربية أو ما تبقى منها أن تكون هي ذات أسلاف، فما أشبه اليوم بالبارحة، والمراوغة الثعلبية لم تتبدل إلا على صعيد التقنية، وتحديث الأساليب.

سيكون احتفال تل أبيب ببلوغ الدولة العبرية الستين قاب صرختين من غزة، لكن السادة المدعويين قرروا على ما يبدو أن يعصبوا العين اليسرى كالقرصان أو على طريقة الجنرال دايان الذي سيكون حاضراً في الاحتفال من خلال جنرالات ولدوا من صلبه ولا ندري حتى الآن ما الذي أعده العرب لهذه الذكرى، لأن الزهايمر السياسي تحول من إصابات فردية إلى وباء قومي، ولأن ذوي القربى منهمكون في معاركهم البسوسية، ولكل عاصمة داحسها وغبراؤها وغساسنتها ومناذرتها.

إنها لحظة يتكثف فيها قرن من الصراع الذي سعى العالم إلى تدجينه، فالقرن العشرون منذ الحرب العالمية الأولى حتى اسدال الستار على آخر فصول الحرب الباردة كان قرن اليهود بامتياز، لأنه كان المجال الحيوي لنشاط الصهيونية ودوائرها، فيه صدر وعد بلفور، وفيه وقعت الحروب الأربع التي نتج عنها هذا العدد من النازحين واللاجئين.

عرس ومأتم، وجهان لتاريخ واحد، لكن الأباطرة الذين اتخذوا زينتهم للذهاب إلى الحفلة أخطأوا الطريق، وكان أجدر بهم أن يمروا من البوابة الأخرى، لكنهم لا يريدون سماع الأنين، وقد قرروا إعفاء أنفسهم وضمائرهم ودولهم من أي عبء أخلاقي، لهذا فهم حمولة اضافية إلى الاحتلال، ومن يتواطأ مع القتلة يصبح منهم.

كنا نراهن بما تبقى لنا من رجاء على أن يحول الخجل دون هذا الكرنفال الأسود، لعلّ ما أخفقت فيه السياسة يفلح فيه الوجدان، لكن دهاقنة الليبرالية الجديدة، وثرثارو حقوق الإنسان والعدالة رسبوا في الاختبار وورطوا شعوبهم التي انتخبتهم بمواقف قد لا تبرأ منها بعد ألف عام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"