التنسيق الجزائري التونسي في ليبيا

03:14 صباحا
قراءة 4 دقائق
الحسين الزاوي
أخذت العلاقات الجزائرية التونسية بعداً جديداً ومغايراً، منذ قيام الهبّة الشعبية التي أطاحت الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، حيث أسهم الرهان الجزائري القائم على دعم الاستقرار في تونس من خلال تشجيع التونسيين على الحوار والتوافق السياسي المستند الى دعم جهود اللجنة الرباعية التي فازت بجائزة نوبل للسلام، في ارتقاء العلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، حيث يحرص الجانبان على التشاور من أجل تنسيق جهودهما المشتركة من أجل مواجهة التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه بلديهما. كما تسعى كل من تونس والجزائر إلى بلورة موقف مشترك بشأن الأزمة الليبية، وقد بدا ذلك واضحاً للعيان من خلال تكثيف زيارة الوفود بين عاصمتي البلدين من أجل المساهمة بشكل إيجابي وبناء في حل الأزمة الليبية، وذلك تزامناً مع الجهود التي تبذلها المجموعة الدولية التي أثمرت مؤخراً عن توقيع الفرقاء الليبيين لاتفاق الصخيرات في المملكة المغربية.
لقد راهنت الجزائر منذ اندلاع ما سمي ب«الربيع العربي» وتحديداً على المستوى الإقليمي، على المحور الثنائي الذي يربطها بالعاصمة التونسية، لأنها رأت أن الموقف التونسي يمكنه أن يكون أكثر اقتراباً من رؤيتها لطبيعة الحل السياسي في ليبيا. أما بالنسبة لباقي دول الجوار الليبي فقد رأت الجزائر أن قدرتها على التأثير باتجاه المساهمة في بلورة حل سلمي، كانت وستظل متواضعة بالنظر إلى الصعوبات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها أغلب دول المنطقة مثل التشاد والنيجر.
وتأتي أهمية التنسيق الاستثنائي الجزائري التونسي، من منطلق الوضعية الإقليمية الجيوسياسية والجيواستراتيجية الشديدة التعقيد التي تميّز المنطقة، بسبب انتشار الحركات الإرهابية في ليبيا ودول الساحل الإفريقي من جهة، ونتيجة لأطماع القوى الغربية التي تتنافس من أجل بسط نفوذها على ليبيا، التي تزخر أرضها بالكثير من الخيرات الطبيعية وفي مقدمها النفط والغاز من جهة أخرى. وقد رأت الجزائر بموازاة كل ذلك، أن موقفها الإقليمي سيكون أكثر قوة عندما يكون مدعوماً من طرف دولة محورية مثل تونس التي لعبت وما زالت تلعب دوراً محورياً في التأثير في مختلف الأطراف السياسية الليبية في الداخل والخارج، وأبانت التطورات اللاحقة أن الموقف المصري أصبح فيما بعد، أكثر قرباً من الموقف الجزائري، بعد أن صار يدعم بشكل واضح مسار التسوية الذي ترعاه الأمم المتحدة.
لقد أكدت الجزائر منذ بداية الأزمة الليبية أن الحل في هذا البلد لا يمكن أن يكون إلا سياسياً من خلال جمع الأطراف المتصارعة، على اختلاف توجهاتها السياسية والإيديولوجية، على مائدة الحوار، نتيجة للتركيبة القبلية والمناطقية المعقدة للمجتمع الليبي؛ حيث رأت الجزائر أن هذه الخصوصيات التي تميز المجتمع الليبي، يمكنها أن تجعل بعض الأطراف تتحالف مع بعضها لأسباب قبلية حتى وإن اختلفت سياسياً وعقائدياً، الأمر الذي يجعل من الحل العسكري خياراً غير فعّال، يمكنه أن يحمل نتائج كارثية على دول المنطقة برمتها، وقد يفضي إلى تعقيد الموقف بشكل أكبر، ويدفع بالتالي كل الأطراف إلى مزيد من التشدد وإلى اعتماد خيارات جذرية تؤدي في نهاية المطاف إلى تقسيم ليبيا بناءً على نموذج التقسيم الجغرافي الذي سبق أن وضعه النظام الملكي في ليبيا مع بداية مرحلة الاستقلال. ونستطيع القول إنه لم يكن بإمكان الجزائر أن تعتمد على شريكها التونسي، دون أن تعمل على دعمه سياسياً وعسكرياً من أجل تحقيق الاستقرار المطلوب الذي يسمح له بلعب دوره الإقليمي في المنطقة بكل كفاءة واقتدار؛ وبخاصة وأن جمهورية تونس باتت تتوفر على رصيد كبير من الاحترام والمصداقية في كل العالم، بعد النجاح الباهر الذي حققه التونسيون في تسييرهم للمرحلة الانتقالية بكثير من الهدوء والسكينة.
وتشير مختلف المؤشرات السياسية والأمنية إلى أن التنسيق الجزائري- التونسي بات يتجاوز حدود المشاورات السياسية التي تزايدت وتيرتها في الأشهر القليلة الماضية، وذلك باتجاه دعم التعاون العسكري والأمني، الذي لم يعد مقتصراً على الحدود المشتركة بين البلدين على مستوى منطقة جبال الشعانبي، التي تعرف تواجداً مكثفاً للمجموعات المسلحة، ولكنه وصل إلى مرحلة التعاون العسكري بينهما على مستوى الحدود الليبية من أجل مواجهة التنظيمات التكفيرية ومهربي الأسلحة.
وقد قامت القوات العسكرية للبلدين خلال الشهر الحالي ببرمجة مناورات جوية مشتركة بين قوات البلدين تحسباً لإمكانية تأزم الأوضاع عبر الحدود، في حال قيام القوى الغربية بتدخل عسكري في ليبيا من أجل محاربة تنظيم «داعش»، الذي بات يسيطر على مساحات شاسعة من التراب الليبي.
ويمكننا القول تأسيساً على ما سبق إن التعاون والتنسيق الجاري بين الجزائر وتونس، يمثل حالة صحية وإيجابية بالنسبة لمجموع العلاقات الثنائية ما بين دول المنطقة، وهو مرشح مستقبلاً لأن يتقاطع مع تعاون أوسع مع دول الجوار الأخرى وفي مقدمها مصر التي تمثل ثقلاً سياسياً وعسكرياً كبيراً بوصفها القوة الأبرز في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"