الجانب المظلم من «بريكست»

03:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
باتريك كوكبيرن *

وجد استطلاع للرأي أجرته وكالة «أوبينيوم» الاستشارية، أن الإيذاء العرقي، والتمييز العنصري العلني، المبلّغ عنهما من قِبل الأقليات العرقية، ارتفع من 64% في بداية عام 2016، إلى 76% حالياً.
ولكن ذلك يُهوِّن من شأن التغيير نحو الأسوأ الذي نشهده. لقد رفع تصويت خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، (بريكست)، الهوية الوطنية الإنجليزية، والأسئلة عمّن هو إنجليزي، ومَن ليس بإنجليزي- الذي يتم التفريق بصورة متزايدة بينه وبين كون المرء بريطانياً- إلى قمة الأجندة السياسية، وذلك لن يتلاشى. ويستطيع المرء رؤية ذلك في «كانتربيري» التي كانت تشكل في العادة، مدينة صغيرة متسامحة ذات عقلية منفتحة، معتادة على وجود أعداد كبيرة من الزوار والطلاب الأجانب.
ولكن منذ عام 2016، أصبحت تعبيرات العنصرية العميقة أكثر شيوعاً. بعد الاستفتاء بوقت قصير، سألت امرأة أرجنتينية حارساً في كاتدرائية كانتربيري، عن الاتجاهات، فأجابها: «تلك هي الطريق إلى دوفر، يا عزيزتي»، (يقصد أن عليك الرحيل عن البلاد.. وتلك هي الطريق: ميناء دوفر). وفي وقت أقرب، قال متشرّد في الشارع الرئيسي لأحد أصدقائي: «سوف يرحل المهاجرون عمّا قريب، وسأكون قادراً على الحصول على وظيفة».
أقوم بجولات مسافراً في أنحاء المملكة المتحدة، لكتابة سلسلة من المقالات حول «بريطانيا في حقبة بريكست»، وقد تساءلت عمّا إذا كان أفراد الأقليات العرقية يعتقدون أن التمييز العنصري والمضايقة العنصرية قد ازدادا. سألتُ ثلاثة أشخاص في جنوب ويلز- التي اخترتها لأنها مختلفة كثيراً عن جنوب شرق انجلترا- من خلفيات متنوعة (امرأة باكستانية، ورجل من السيخ، وشخص من منطقة البحر الكاريبي)، عمّا إذا كانوا تعرّضوا لسوء معاملة عنصرية أكبر منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
قالت «شعبانة تاج»، الموظفة الوطنية في اتحاد الخدمات العامة والتجارية، والتي كان والدها جاء من باكستان للعمل في مصنع للصلب في جنوب ويلز في عام 1958-1959، إن المضايقة العنصرية ارتفعت خلال السنوات الثلاث، أو الأربع الماضية، على الرغم من أنها كانت سيئة في الماضي أيضاً: «في ثمانينات القرن الماضي، اعتدنا دوماً على أن نجد بُراز كلاب، داخل أكياس حُشِرت في صندوق الرسائل الخاص بنا، وعلى عبارات مكتوبة على الجدار الجانبي لمنزلنا بخط كبير، تطالب»الباكستانيين بالرحيل«. وكان هذا النوع من الأمور قد انحسر، ولكنه عاد الآن للظهور بعدائية وقسوة أكثر من ذي قبل».
وكامرأة آسيوية معها طفلان صغيران، تجد طريقها في كثير من الأحيان، مسدوداً من قِبل رجال بيض في الشارع. وباتت هي وزوجها النيجيري، يسألان نفسيهما للمرة الأولى «عمّا إذا كانا سيَنفذان إلى لُبِّ الموضوع، حين لا يعودان يعتبران هذه البلاد وطنهما».
ويوافق «امارجيت سينج»، وهو رجل من السيخ يعمل لدى مؤسسة البريد الملكي، ويعتمر عمامة حمراء مميزة، على أن العنصرية الصريحة انخفضت تدريجياً من نهاية ثمانينات القرن الماضي إلى عام 2016. ويشعر بالقلق اليوم من درجة ازدياد نشاط اليمين المتطرف، وقيامه بتنظيم مسيرات في طول البلاد وعرضها في الوقت نفسه. ويقول إن العديد من السيخ- هنالك 2500 منهم في كارديف- صوّتوا لمصلحة الخروج لأنهم خافوا أن تتعرض وظائفهم للتهديد من قِبل المهاجرين من أوروبا الشرقية، ولكنهم وجدوا أنهم يتعرضون، هم أيضاً، لإساءة معاملة المهاجرين.
ويروي «سينج» حادثة سببت له صدمة كعلامة على تصاعد العنصرية: «قبل أسبوعين كنت أستقل حافلة، وكانت هنالك امرأة صومالية مع رضيع داخل عربة أطفال، لم يتسنَّ وضعها في الحيّز المخصص لها، لأن شاباً كان يحول دون ذلك. وعندما طلب السائق منه، أن يدعها تضع العربة في المكان المخصص، أجاب الشاب:»مَن تظنُّ نفسها؟ إنها مجرّدُ أجنبية«.
ويقول»اندرو وودمان«، الذي جاءت والدته إلى هنا من البرتغال عام 1952، ووالده من غويانا، إن تصويت»بريكست«قد جرَّأ الناس»كما فعل ترامب في أمريكا، على أن يقولوا في العلن ما اعتادوا قوله سِرّاً. صرتُ أُدعى بتعبير «زنجي»، وكان ذلك نادراً ما يحدث في السنوات الأخيرة«. ويضيف قائلاً، إن كل ما تحتاج إليه لتوليد الكراهية العنصرية»هو إقناع الناس بأن أولئك المختلفين عنهم هم السبب في كونهم فقراء«.
لقد ساهمت هجمات حركة»القاعدة«وتنظيم»داعش«، من هجمات 11/9 إلى تفجير»جسر لندن«في رهاب الإسلام (إسلاموفوبيا)، ولكن أزمة»بريكست» تُحدِث تأثيراً أكبر وأطول أجلاً لأنها تعيد تعريف الوطنية الانجليزية بطريقة أكثر إقصاءً ومُواجَهة.


* صحفي إيرلندي، مراسل لصحيفة «اندبندنت» في الشرق الأوسط.
موقع: «كاونتر بانش»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​ صحفي وكاتب إيرلندي خبير في شؤون الشرق الأوسط

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"