الهوية القوميّة في الجزر البريطانية

05:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
باتريك كوكبيرن *

تشهد الهويّات القومية والعلاقة بين إنجلترا، واسكتلندا وأيرلندا، تغيّـراً أعمق من أيّ وقت مضى خلال القرن الماضي. ويستحق الأمر إلقاء نظرة على الأرخبيل البريطاني ككُلّ في هذه القضية؛ بسبب الشراكة السياسية الوثيقة والمتشابكة بين الأمم المكوّنة له.
وبعض هذه التطورات شديد الوضوح مثل صعود الحزب الوطني الاسكتلندي إلى الهيمنة السياسية الدائمة في اسكتلندا في الانتخابات العامة الثالثة منذ استفتاء الاستقلال في عام 2014.
وهنالك تغيرات أخرى مهمة، ولكنها لا تحظى بتعليقات كثيرة عليها، مثل الاستقلال الوطني لجمهورية أيرلندا وتأثيرها السياسي المتزايد على الجزر البريطانية، كعضو مستمرٍّ في الاتحاد الأوروبي، عندما تخرج المملكة المتحدة.
وتبيِّـن السهولة الكبيرة التي تخلّى بها بوريس جونسون عن تعهداته الوحدوية المفرطة للحزب الوحدوي الديمقراطي، وقَبِل الحدود الجمركية في البحر الأيرلندي، التي تفصل أيرلندا الشمالية عن بقية بريطانيا، مدى ضآلة الوفاء الذي يشعر به المحافظون تجاه الوحدويّين الشماليين و«علامتهم التجارية» المميّزة والخشنة، من القومية البريطانية.
وهذه التطورات التي تؤثر في أربعة من المجتمعات الرئيسية التي تقطن الجزر البريطانية- المتمثلة في الأيرلنديين، والقوميين والوحدويّين في أيرلندا الشمالية، والاسكتلنديين- يسهُلُ تتبُّعها. والقومية الويلزيّة قوة أقلّ. والأصعب في تتبُّعه وشرحه، هو صعود القومية الإنجليزية؛ لأنها أحدث عهداً وأقلّ تنظيماً، من هذه الأنواع الأخرى من القومية، وليس لديها برنامج، ولا يمثّلها بشكل مباشر أي حزب سياسي- على الرغم من أن حزب المحافظين قد تحرَّك في ذلك الاتجاه.
ودائماً ما كانت القوة الدافعة الكامنة وراء بريكسيت، نوعاً معيناً من القومية الإنجليزية، التي لم تفقد قدرتها على الإقناع على الرغم من أنها غير متماسكة وغير مفهومة كثيراً من قِبل منتقديها وأنصارها على حدٍّ سواء. وفي بعض النواحي، كانت تنشر خطاب أي مجتمع قومي يسعى إلى تقرير المصير.
وكانت القوة الكبيرة للحركة المؤيدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التي لم يتقبلها معارضوها أبداً، هي تحميل مسؤولية ضعف النفوذ والمظالم الاجتماعية، التي يشعر بها قسم كبير من السكان الإنجليز، لبروكسل والاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من ذلك، فإن من الخطأ تصوير القومية الإنجليزية بطريقة كاريكاتورية، باعتبارها مجرد مزيج سام من كراهية الأجانب، والعنصرية والحنين الإمبراطوري، وذكريات الحرب المضخمة. ففي السنوات الثلاث منذ الاستفتاء، أصبح فعل التصويت لصالح بريكسيت، في حدّ ذاته، جزءاً من الهوية القومية لكثير من الناس.
ورغبة الناس في أن يروْا أنفسهم مجتمعاً قومياً - حتى ولو كان العديد من الروابط التي تجمعهم معاً خيالية- هي إحدى أكبر القوى في العالم. ولا يمكن تجاهلها إلاّ بكُلفة سياسية باهظة.
والغريب أن المؤسسة السياسية ارتكبت نفس الخطأ مثل حزب العمال، في الاستهانة بطبيعة القومية الإنجليزية، وإساءة فهمها. وبالنسبة إلى الطبقة السياسية البريطانية، عزز الاتحاد الأوروبي بشكل واضح القوة السياسية والاقتصادية لأعضائه الوطنيين. وباعتبارهم منتفعين من الوضع الراهن، لم يكونوا يرون حقيقة أن معظم البلد فشل في الاستفادة من هذه الأمور الجيدة، وشعر بأنه مهمش ومنسيّ.
وكان المدافعون عن المنظمات فوق الوطنية منذ بابوية العصور الوسطى، يطرحون مثل هذه الحجج، ويحتارون في العادة في سبب عدم نجاحها. إنهم يفشلون في فهم قوة القومية أو الدين في توفير شعور بالتضامن المجتمعي، حتى لو كان قائماً على أحلام وأوهام، توفر متنفّساً للحاجات والمظالم العميقة. والحجج القائمة على مجرد الربح والخسارة، تخسر في العادة أمام مثل هؤلاء المنافسين.

* صحفي أيرلندي، مراسل لصحيفة إندبندنت في الشرق الأوسط. موقع: أونْز دوت كوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​ صحفي وكاتب إيرلندي خبير في شؤون الشرق الأوسط

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"