الجزائر وعبرة الجوار

02:45 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

مع انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية، تدخل الجزائر مرحلة دقيقة من تاريخها الحديث وسط رهانات على أن يكون هذا الاستحقاق مصيرياً يؤدي إلى تجاوز الأزمة المستمرة منذ نحو 40 أسبوعاً بعد تنحي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. فبعد 25 يوماً سيعرف الجزائريون رئيسهم المنتخب من ضمن خمسة مرشحين، أغلبهم شخصيات معلومة خدمت الدولة في مناصب مختلفة على مدى عقود.
قبل ساعات من بدء حملة سادس انتخابات تعددية منذ الاستقلال، أصدر الجيش الجزائري بياناً حث فيه المواطنين على الاحتشاد في ساحات الحملات الانتخابية، والتوجه بكثافة إلى صناديق الاقتراع حين يأزف التصويت، كما أوصى الأجهزة الأمنية بتوفير الشروط الملائمة لمرور هذه المناسبة في كنف الشفافية والأمان، وتعهد رئيس أركانه الفريق أحمد قايد صالح مرات عدة بالشفافية والنزاهة في العملية الانتخابية. وتعزيزاً لهذا التوجه وقع المرشحون «ميثاق أخلاق الحملة»، حرصاً على أن تمضي التجربة هادئة، في ظل أجواء مشحونة وأصوات للمقاطعة تتردد في الشارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يثير مخاوف من حدوث انزلاقات ما، أو انتخاب رئيس قد يجد رفض قطاعات من الشعب تطالب بالمقاطعة مع قيادات النظام ورموزه، وهي دعوات قد تكون محقة من جانب، ولكنها تجانب الواقع من جوانب أخرى، بالنظر إلى أن إكراهات عديدة تفرض نفسها، ولا مناص من التعامل معها، وأخذها في الحسبان.
بجوار الجزائريين، هناك تجربتان يمكن التمعن فيهما واستخلاص العبر منهما. كانت الأولى في تونس بعدما انتفضت في ثورة شعبية عام 2011 أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وبعدما انكب التونسيون على بناء «الجمهورية الثانية» التي توالدت فيها الأحزاب وتناسلت، ودخلت إلى المشهد وجوه جديدة، وتجددت أخرى قديمة، وبقيت الدولة مستمرة ولم تتفكك، ولعبت شخصيات من العهد السابق دوراً كبيراً في تأمين الانتقال الديمقراطي، وأولهم الراحل الباجي قايد السبسي وغيره كثيرون، وإلى الآن تفرض استمرارية الدولة التونسية الاحتكام إلى رجالها على اختلاف العهود، ولذلك استطاعت التجربة أن تصمد وتتواصل من دون أن تدخل في متاهات التصفيات والإقصاء. أما التجربة الثانية، فكانت في ليبيا، وهي صورة معاكسة، إذ تفككت الدولة، وانهارت وقتل زعيم النظام السابق معمر القذافي بطريقة بشعة، وأصبحت الكرامة الوطنية مهدورة بالتدخلات الأجنبية، واستوطن الإرهاب في مفاصل البلاد. والسبب أن «الثوريين» اختاروا تدمير شبه الدولة التي كانت قائمة، فكانت النتيجة الفوضى والخراب والضياع الذي ليس منه رجعة إلى اليوم.
الأمر البديهي أن الشعب الجزائري يعي كل التحديات، ومثلما لا يريد لأحد أن يتدخل في شؤونه، يعرف جيداً ما يدور في جواره، ولهذا السبب وسواه، ستكون الانتخابات المقبلة محطة أولى نحو الديمقراطية الفعلية، ولن تكون انتكاسة إلى الوراء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"